الدكتور هيثم الطواجني يكتب : قراءات في المشهد الإقليمي (1)

الدكتور هيثم الطواجني

يخوض إقليمنا الجغرافي واقعاً جديداً أو بمعني آخر استراتيجية تهدف إلي تقسيم الدول القائمة بالفعل إلي دويلات إثنية ودينية أو كيانات صغيرة تتسم بالطائفية أو المذهبية ليسهل فرض الإرادة عليها أو بمعني أكثر شمولاً سحق إرادة هذه الكيانات الصغيرة “الدويلات” لصالح الكيان الاستيطاني ومن يقف خلفه، وهذه الاستراتيجية التي تحولت إلي مشروع أطلق عليه الشرق الأوسط الجديد معلنة وليست سرية، وذلك وفقاً لما قاله رئيــس وكالــة المخابــرات الأمريكيــة CIA السابــق “جيمــس وولســي” وذلك في عام 2006 عن الدول العربية وخصوصاً الإسلامية “سنصنــع لهــم إسلامــاً يناسبنــا”، ثــم نجعلهــم يقومــون بالثــورات، ثــم يتــم انقسامهــم علــى بعــض لنعــرات تعصبيــة، ومــن بعدهــا قادمــون للزحــف وســوف ننتصــر وسننجح في النهاية كما نجحنا في الحرب العالمية الأولى والثانية والحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي وقال (سوف نجعلهم متوترين) ، تلك كانت استراتيجيتهم وخططهم لتنفيذ هذا المشروع المبنية علي عدة مرتكزات، ولعل أهمها الحرب بالوكالة، عدم الانخراط في قتال مباشر أو غير مباشر ينجم عنه خسائر في البشر والمعدات، تقليل تكلفة تنفيذ هذه الإستراتيجية إلي الحد الأدنى، دراسة طويلة ومتميزة ومتعمقة لكل ما يتعلق بدول المنطقة وتحديد نقاط الضعف مع تحويلها في أسرع وقت ممكن إلى نقاط للوثوب داخل الدول المرشحة لبدء تنفيذ المخطط، تعدد الاستراتيجيات المستخدمة وتنوعها مما يضفي عليها المرونة اللازمة أثناء مباشرة التنفيذ دون التقيد بجدول زمني، مزج استخدام أدوات الحرب النفسية (الشائعات – تزييف الوعى) مع أخرى جديدة ومبتكرة، كوسائل التواصل الاجتماعي، منظمات المجتمع المدني، حركات المعارضة “مسلحة – سياسية” كأسلحة ذات قدرات خاصة تضاف الي القدرات الأخرى التقليدية [القوى (السياسية – العسكرية – الاقتصادية – …)].

واخيراً حال ثبوت فشل هذه الاستراتيجية لأي سبب كان لا يتم العدول عنها، بل يتم تنقيحها، وجلب عوامل نجاح جديدة، ومعالجة أوجه القصور والضعف، وتطبيق أساليب جديدة لتهيئة المسرح السياسي مرة أخري، وذلك لمعاودة التنفيذ حتى يستتب لها النجاح.

– وبالنظر في الموقف الإقليمي اليوم نجد الآتي:

– خروج كل من العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان والصومال ولبنان من الإطار العام للموقف الإستراتيجي للإقليم وتقزيم القدرات السياسية والاقتصادية العسكرية بدرجات متفاوتة لتلك الدول مع خلق توترات سياسية مستمرة حول هذه الدول للحد من قدراتها الضئيلة أصلاً.

– فشلت ثورات الربيع العربي التي ضربت العديد من دول المنطقة بشكل عام وإن نجحت جزئياً في دول ولم تنجح في أخري، ولم يتكلف المُخطط شيئاً بل نفذها بعض مواطني هذه الدول من ذوى الاختلافات (الدينية – المذهبية – الطائفية – الايدولوجية – … )، وكل دولة طبقاً للتركيبة الديموغرافية الخاصة بها فما يصلح لتونس لا يستقيم باليمن، ولكنها أحدثت التأثير المطلوب بدرجات متفاوتة في معظم الدول التي اندلعت بها، فأغلب هذه الدول تعاني من مشكلات اقتصادية وسياسية وعسكرية حالية لم تتعرض لها منذ استقلالها، وقللت كثيرا من قدراتهم على اتخاذ القرار المناسب.

– اما الدول ذات النواة الصلبة فتتعرض للثورات فإن فشلت الثورة، فلتقذف بالإرهاب، وإن انتصرت ودحرت الإرهاب، فيتم خنقها اقتصاديا، وإن صمدت فلن يتبقى سوى دفعها نحو فخ سياسي (كمين) ثم جرها إلى أتون الصراع المسلح. (وللحديث بقية)

 

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.