الدكتور اسامة مدنى يكتب : “صمت الشباب الصاخب”

الدكتور أسامة مدني

في أوروبا “والبلاد المتقدمة”، يغادر الشباب منازل أسرهم في سن مبكرة ليستقلوا فى مجموعات صغيرة بحجرات بسيطة طلباً للاستقلال الشخصي والمادي. وتلك حتمية اجتماعية نابعة من ثقافة تفرض علي الفرد الاستقلال مبكراً لإثبات أنه جدير بتحمل المسئولية مع ما يصاحبها من صبر وجلد. فسواء أكانت الأسرة مترفة أم مدقعة ، فلا مفر من مغادرة الشاب أو الفتاة الغرفة الحميمة في البيت الكبير إلي غرفة قاتمة في بيت هزيل. يعيشون جماعات، الشباب سوياً والفتيات معاً، طلباً لنظرة تقدير أنهم صاروا الآن لا يطرقون باب قريب أو غريب.

تراهم كل يوم يغادرون حجراتهم المكتظة قبل الشروق ويعودون إليها بعد الغروب، يهرولون إلى جامعاتهم باهظة التكلفة ومن بعدها إلي أعمالهم زهيدة الأجر؛ يثابرون، يتفانون كي يسددوا فاتورة هنا وإيجاراً هناك، أقساط دراسية تارةً، وتكلفة مأكل وملبس تارةً أخرى، سلف صديق حيناً ودين غريب حيناً آخر. هم أحياء بالكاد من فرط كدهم، يُلطف من همهم زيارة أسرية خاطفة في نهاية الأسبوع. فالدراسة والعمل استحقاقان متلازمان لا ينفصلان، لا تباطؤ فيهما ولا تكاسل.

ملابسهم البسيطة الرخيصة، ومأكلهم الزهيد الفقير، عنوانان لمرحلة من حياتهم تنال رضا وتقدير الصغير قبل الكبير. فهي مرحلة انصهار الذات، يخرج منها الشاب أو الفتاة متحملاً لمسؤولياته وواجباته بشكل ناضج واع.

هي مرحلة يعملون ويكدون في صمت يجد صدى صاخباً عند الجموع. صبرهم وكدهم اليومى مصدرا فخر واعتزاز الجميع، فهم لا يشكون شظف العيش أو قلة المورد أو ضيق الحال. يدركون أنهم في مرحلة انتقالية نحو تحقيق الذات. والكل يفاخر ثباتهم الصامت، يُعلي صبرهم وجلدهم. فهم حقاً الأساس الراسخ المتين، الضامن لمستقبلهم المذدهر، الرصين.

نحن في بلادنا لا نطالب شبابنا بحياة مشابهة. فالثقافة مغايرة، والتقاليد مختلفة. والمسموح هناك قد يكون ملفوظاً هنا. فقط نطالبهم باستخلاص العبر والمواعظ وهي إعلاء قيمة العلم والعمل، والصبر عليهما. فقد حباهم الله بيوتاً آمنة، وقلوبا محبة، ومجتمعا آمناً، أميناً. نريد شبابنا في الجامعات أكثر جداً واجتهاداً، وفي العمل أكثر كداً وإيماناً. نريدهم صابرين، مثابرين. نريدهم أكثر صمتاً وأقل شكوى من المحن والظروف. فمن غيرهم قادر علي البناء في المحن، وكلما اشتد البأس؟ من غيرهم واجب عليه أن يعمل ويكد في صمت بلا صخب؟ من غيرهم نراهن على التباهي به والإعلاء من قدره.

من غيرهم؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.