الدكتور علاء رزق يكتب : الضغوط المالية والتحديات الهيكلية (٢)

الدكتور علاء رزق
في الوقت الذي تواصل فيه ديون العالم مجتمعة النمو،عبر وصول الحد الأقصى القانونى للإقتراض فى الولايات المتحدة الأمريكية إلى 31,381 تريليون دولار ، فإنها تهدد دول العالم الثالث على الوجه الخصوص في عام 2023، حيث تستمر معدلات الفائدة بالإرتفاع في الولايات المتحدة الأمريكية، بالتزامن مع نمو الأسعار عالمياً، ما يجعل هذه الدول عرضة لخطر التخلف عن السداد وربما حتى الإفلاس. ووفقا لتقرير صحيفة “فايننشال تايمز”، فإن الصدمات التي ألمت بالعالم في السنوات الثلاث الماضية، أضرت بشدة الدول النامية ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وهو ضرر يمكن أن يمتد أيضا إلى المستقبل حيث تستمر معاناة هذه الدول. وهو ما يتسق مع ما حذر منه صندوق النقد الدولي من أن 15% من الدول ذات الدخل المنخفض تعاني بالفعل من ضغوط مالية شديدة، فيما تواجه 45% من هذه الفئة “خطرا كبيرا” من ضغوط الديون. في الأسواق الناشئة، هناك 25% من الدول معرضة لمخاطر عالية وتواجه إحتمالات للتخلف عن سداد إلتزاماتها مع تفاقم ديونها، لدرجة أن الولايات المتحدة نفسها على أعتاب أزمة قد تؤدي إلى إنهيار اقتصادي مدمر، وتخلف سريلانكا وغانا وزامبيا عن سداد أقساط ديونها، إشارة إلى إتساع الأزمة. وهناك المزيد من الدول مرشحة للتخلف عن السداد، وينبغي للعالم التحرك سريعا قبل اتساع رقعة الأزمة. وهو ما عبرت عنه الأمم المتحدة على يد أمينها العام أنطونيو جوتيرش على هامش فاعليات منتدى دافوس الاقتصادي بسويسرا هذا الشهر من أن العالم يواجه الآن أزمة عدم ثقة في الأجيال القادمة وهي أزمة قد تتلاشى معها معالم الحضارة الإنسانية، كذلك هناك أزمة لا تقل خطورة وهي أن العالم يواجة أخطر سنوات الإنقسام الجيوسياسي، فهناك الإنقسام بين الشرق والغرب وهو ما يمثل عبء على الناتج المحلي الإجمالي العالمي لا يقل عن 1,4 تريليون دولار ، كذلك هناك الانقسام بين الشمال والجنوب وهو ما قد ينعكس على زيادة الهجرة غير الشرعية، وزيادة حدة الإرهاب، وزيادة حالة الإحباط، وعدم القدره على تأمين مصادر الطاقة اللازمة لدول الشمال لذلك هناك الإنقسام بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين وهما يمثلان أكثر من نصف إجمالي الناتج المحلي العالمي، وبالتالي فإن اي هزة سياسية بينهما سواء فيما يتعلق بجزيره تايوان او منظمة التجارة العالمية،او الازمة الروسية، فإن إنعكاس ذلك على الناتج المحلي الإجمالي لا يقل عن 10%، وبالتالي فإن العالم الآن لا يستطيع تحمل إنتظار أن تحدث إحدى هذه الانقسامات على ارض الواقع ، وما قد يعجل بوقوعها هو أزمة ديون العالم الثالث التي تلوح في الأفق، والتى قد يترتب عليها إنتقال العدوى المالية (التعثر) إلى البنوك في الدول المتقدمة، وطبعاً سيحدث ذلك مع موجة من العنف المتفاقم والإضطرابات الإجتماعية في الدول الناشئة، مما يترتب عليه زيادة كبيرة في الهجرة غير الشرعية التي تؤرق بالفعل أوروبا وأمريكا ،مما يجعل أوروبا أكثر تضرراً بفعل الهجرة غير الشرعية، لذا فمن الضروري على الغرب الضلوع بدوره سواء من باب المسؤولية أو لتفادي الكارثة الخاصة بديون العالم الثالث ،حيث جاءت الزيادة الكبيرة في ديون العالم الثالث من القطاع الخاص والديون الصينية. حيث بلغت ديون أفريقيا الخارجية 696 مليار دولار بعدما تضاعفت 5 مرات في 20 عاما، وتستحوذ الصين على 12% منها. تصر أمريكا والغرب على تسمية الديون الصينية للدول النامية بـ”الفخ”، وتروج لفكرة أنها تثقل كاهل
هذه الحكومات بالإلتزامات المالية وعندما تفشل في سدادها، تجبرها الصين على تسليم أصولها الوطنية إليها مقابل
الديون.لكن الصين تؤكد أنها “أكذوبة للتخويف” من التعاون مع الصين، في إطار مشروع الحزام والطريق العملاق
،وعلى نفس هذا التوجه بإلقاء اللوم على المتسبب فى أزمة الديون نجد أيضا الدول المتقدمة مسؤولة بشكل
رئيسي عن إرتفاع أسعار الطاقة والغذاء، والأهم، أنها مسؤولة عن قوة الدولار المتزايدة، وما يترتب على ذلك من
تباطؤ النمو العالمي وزيادة تكاليف الديون على الدول الفقيرة. كان ذلك أشبه بإغلاق المصيدة على الدول الفقيرة بعد
إقناعها بالدخول للحصول على الديون.عندما لا يكون المدين قادرا على تحمل العبء المالي لدينه، فهنا يأتي دول
“إعادة الهيكلة”، وهذا يشمل ديون الدول السيادية وكذلك الشركات، ولكن على أرض الواقع فإن إعادة الهيكلة
أصبحت عملية شاقة مما كانت عليه في القرن الماضي.فالبنك الدولي يدعو إلى إصلاح نظام إعادة هيكلة الديون
وسط مخاوف من التخلف عن السداد ، والأكثر من ذلك، أن الغرب نفسه الذي يهاجم الصين، يماطل في إعادة هيكلة
ديون الدول الفقيرة حتى لا تستفيد الصين التي تمتلك قدرا كبيرا من الديون المهددة. وبذلك يظل الأمر رهين التفاهم
بين الصين والغرب لإخراج العالم الثالث من أزمته. الأسوأ فيما يتعلق بهذه الأزمة، أن خسائرها قد تشمل الكثير من
الأرواح وليس فقط الجانب الاقتصادي. وفقا لدراسة للبنك الدولي حول حالات التخلف عن سداد الديون منذ 120 عاما،
تبين إرتفاع عدد الفقراء بنسبة 30% على المستوى القصير. وخلال عقد من الزمان، زاد عدد المتعثرين عن السداد
بنسبة 13%، ونتج عن ذلك وفيات بين الأطفال ، وأصبح متوسط العمر المتوقع للرضع الناجين أقل. ما نؤكد عليه ان
الأزمة تدور بشكل أساسي حول إقراض الفقراء بالدولار الذي لا يستطيعون توفيره وتتقلب قيمتة بما يعرضهم لخطر
أكبر (مع زيادتها)، كما أن دور الغرب وجديته في معالجة الأزمة وتجنب الكارثة هو أمر محوري وفاصل. كما ان هناك
مقترحات بالتخلص من الدولار كعملة للإقراض خاصة عند مساعدة الدول الفقيرة والتي ستحتاج إلى دفع رسوم
خدمة الدين بالدولار أيضا، ما يدخلها في دائرة مفرغة من الاستدانة، مع بذل جهود مكثفة وحقيقية لهيكلة الديون
الحالية.
كاتب المقال رئيس المنتدى الإستراتيجى
للتنمية والسلام
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.