محمد يوسف العزيزي يكتب : جرائم الغفلة !

الكاتب الصحفي محمد يوسف العزيزي
هل أصبحنا ننظر ولا نري .. ؟  أم ننظر ونري ، ولا نهتم .. !! هل أجراس الإنذار فقدت القدرة علي التنبيه .. أم أننا فقدنا القدرة علي السمع ؟
مائة سؤال وسؤال .. ولا إجابة .. أو حتي رد السؤال بسؤال ! .. علامات استفهام تصاحب كل مصيبة ، وكل جريمة ، وكل فساد .. وكل ما نفعله هو مصمصة الشفاة أو الغرق في تكرار ذكر الأسباب والاختلاف حولها ..
تخبو النار وتتحول إلي رماد في انتظار نار ثانية تصرفنا عن النار الأولي ، وتخبوا الثانية وتتحول إلي رماد في انتظار الثالثة ,, وهكذا الحال !
ورغم كل ما تبذله الدولة والقيادة السياسية من جهد في مواجهة الفساد ومكافحة الجرائم بكل أشكالها ، وكل التنبيه والتحذير من خطورتها علي مستقبل الوطن وعلي المجتمع الذي يسعي نحو حياة أفضل ، وعلي كل مشروعات التنمية التي تحدث علي أرض الوطن .
 ومع ذلك .. فهل ما يحدث من جرائم وعمليات نصب ، وتنامي فساد مادي وأخلاقي حولنا يحدث في غفلة وتغافل منا .. أم استغفال لنا  ؟ !
بماذا نفسر تكرار جرائم النصب وجمع الأموال وتنامي ظاهرة ( المستريحين ) خلال الفترة الأخيرة وعلي نطاق واسع .. هل مثل هذه الجرائم تحدث في الخفاء ؟ ..أم تحدث علي مرأي ومسمع من الجميع لذلك تنتشر ويذيع صيتها وتكثر ضحاياها ، والجميع يعلم أنها فخاخ منصوبة لسرقة الناس عيني عينك وبمزاجهم .. هكذا يري ” المستريح ” .. بل يؤمن أن من ضحاياه من سوف يدافع عنه إذا سقط !
بماذا نفسر جرائم الاستيلاء علي أراضي الدولة جهارا نهارا وأمام كل الأجهزة المسئولة عن حمايتها أو متابعتها ؟!
بماذا نفسر جرائم البناء بلا تراخيص ، وتوصيل المرافق من ماء وكهرباء  للبنايات المخالفة ؟
وبماذا نفسر تكرار سقوط فاسدين يمارسون أنشطة معينة ، ومع ذلك يقوم فاسدون آخرون بنفس النشاط وبنفس النهج في المخالفات ؟
وبماذا نفسر القصور المتكرر من إدارات اتحادات رياضية أبرزها اتحاد كرة القدم ، وما يجري فيها من إهدار مال عام علي مديرين فنيين للمنتخب دون رؤية أو معايير اختيار ، وغرامات استكمال عقود ، وتنشيط بيزنس العمولات .. ومع ذلك لا حساب ولو مجرد ذرا للرماد في العيون ؟
بماذا نفسر ترك البعض يرتكبون جرائم تغييب الرأي العام وتزييف الوعي وتسطيح الفكر دون ضابط أو رابط وكلها فيروسات قاتلة تنهش جسد المجتمع ؟
جرائم الغفلة والتغافل – أو الاستغفال – التي تهاجم المجتمع بقسوة تحتاج إلي وقفة جادة وحازمة قبل أن تتحول إلي سوس ينخر عظام المجتمع ويفتت نسيجه الذي يحميه
جرائم الغفلة تقع أمام أعيننا .. ننظر إليها ولا نراها !! فكم من مسئولين في المحليات باختلاف وظائفهم واختصاصاتهم يمرون كل يوم علي أبنية مخالفة ترتفع يوما بعد يوم حتي تتحول إلي ناطحات ولا يتوقفون أمامها لمجرد السؤال وقبل أن تقع الكارثة !
وكم من مسئولين في الأحياء يمرون كل يوم علي أكوام زبالة وعلي تعديات إشغال الأرصفة وفرش الطريق العام بكراسي وترابيزات المقاهي والكافيهات فيضيق الطريق علي المارة والسيارات ، ولا يحركون ساكنا .. وكلها جرائم يعاقب عليها القانون .. لكنها الغفلة أو الاستغفال !
وكم من مسئولين يرون إهدارا للمال العام في وزارات وهيئات ومؤسسات ، وكم من ترميمات وإصلاحات في طرق ومنشآت لا تمر عليها شهر أو شهرين وتعود سيرتها الأولي ؟!
كل هذه الجرائم – وما لم نذكره أكثر وأعظم – بالقطع يلفت نظر الباحثين في دراسات وعلوم الاجتماع ، وبالقطع يلفت نظر من يعملون في الإعلام .. لكن هؤلاء وهؤلاء في غفلة أو تغافل  .. يفيقون لحظة عندما تقع كارثة ويغفلون لحظات وساعات وأيام وشهور ..
لن يواجه الفساد المادي والأخلاقي غير القانون الذي يملك أظافر وأنياب لأن من أمن العقاب فسد وأفسد ، وأساء الأدب !
هل يلتفت البرلمان بغرفتيه إلي هذا التحول الخطر ويعيد النظر في قوانين فقدت الردع المطلوب ؟ وهل يلتفت القابعون في مراكز الدراسات الاجتماعية والجنائية للأمر ويحللون ما يحدث ويقترحون العلاج ؟
انتباه .. انتباه .. قبل أن نفقد حساسية قيم الجمال والرقي والأخلاق وعفة اللسان ، وقبل أن نتحول إلي كائنات تري الفساد وسيلة للرقي الاجتماعي ، وتري الفهلوة سلم للنجاح ، وتري الانتماء للوطن رجعية وتخلف !
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.