إبراهيم نصر يكتب : قضية بناء الوعى “13”

الكاتب الصحفى إبراهيم نصر
الكاتب الصحفى إبراهيم نصر

مازلت مع كتاب “فقه النوازل”، فبالإضافة إلى ما ذكرته فى

المقال السابق  عن الأهمية البالغة لهذا الكتاب،

وإسهامه بشكل مباشر فى قضية بناء الوعى،

فإنه يوضح عدة أمور أهمها: إن من أهم مميزات الفقه

الإسلامي التي ينفرد بها بين العديد من الوضعيات الفقهية

أن قواعده العامة ومنطلقاته الأصولية تتمتع بالمرونة التي

تمنح الفقيه القدرة على التعامل مع المستجدات الزمانية،

ومتطلبات المراحل المختلفة،

وما يلبي حاجات شتى البيئات على كوكب الأرض، فلا ترى

الفقيه المسلم يحار أمام متطلب زماني، أو بيئي، أو متطلب

مرحلة أو ظرف طارئ على الإطلاق،

وليس المقصود بالفقيه هنا فردا معينا بل هو العقل الجمعي للبيئة الفقهية في أي زمان وأي مكان،

فقد لبَّى فقهنا الإسلامي حاجات البشرية عبر التاريخ الطويل، وفي إطار البيئات المكانية المختلفة وما ألمَّت ببني الإنسان نازلة أو كربتهم شدة، ووقف الفقه مكتوف الأيدي،

الضرورات تبيح المحظورات

وهذا كلُّه منبعه ومرده ما تتمتع به قواعد الفقه الكلية، وضوابط أصوله المحكمة، ومرونتة اللبقة، ويتضح ذلك بجلاء

حين نتأمل القاعدة الكليةٌ: “الضرورات تبيح المحظورات”، وهي مأخوذة من عدة مواضع في القرآن الكريم، منها قول الله تعالى:

“فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ”.

* وعن مفهوم فقه النوازل يوضح الكتاب، انه لكي يتبين لنا هذا المفهوم بجلاء يجب أن يكون واضحا أن هناك أنواعا من الفقه

هي أقرب ما تكون إلى النزعة المتخصصة، إذ يدور كل نوع منها في فلك معين، ومن ذلك: فقه النوازل، فقه الموازنات،

فقه الأولويات، فقه المآلات، وما إلى ذلك من أنواع الفقه التي ينشط كل منها في إطار خاص، وهناك فقه الواقع الذي ينشط

محكوما بالقواعد الكلية، والضوابط الأصولية مع مراعاة الواقع.

 وتعريفات أنواع الفقه

* ولتمام الفائدة يوافي الكتاب القارئ الكريم بكلمات وجيزة حول كل نوع من هذه الأنواع:

فقه الموازنات: هو الذي يكون بين المصالح بعضها وبعض، والمفاسد بعضها وبعض، والمصالح والمفاسد إذا تعارضت.

وفقه الأولويات: هو إعطاء كلِّ عملٍ قيمته ومرتبته في الشرع، ومن الكلمات المأثورة عن سلفنا الصالح – رضي الله عنهم -:

“من شغله الفرض عن النفل فهو معذور، ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور”، ويروي المؤرخون عن عمر بن عبد العزيز

أن ابنه عبد الملك قال له يوما: يا أبت مالك لا تنفذ الأمور؟ فوالله ما أُبالي لو أنَّ القدور غلت بي وبك في الحقِّ، قال عمر لابنه:

لا تعجل يا بني، فإنَّ الله ذمَّ الخمر في القرآن مرتين، وحرَّمها في الثالثة، وإنِّي أخاف أن أحمل الناس على الحقِّ جملةً

فيدعوه جملةً، ويكون ذا فتنة.

أما فقه المآلات: فهو النتائج المترتبة عليه والآثار المرتبطة به، وذلك كما في نهي القرآن الكريم عن سب آلهة المشركين،

قال تعالى: “وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ الله فَيَسُبُّوا الله عَـدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ “. 

أمَّا فقه الواقع: فهو تنزيل الأحكام الشرعية على الواقع.

* ثم يقف الكتاب عند مفهوم الفقه الذي هو محوره الأساس، وهو فقه النوازل، ومفهومه فيقول: هو نشاط ذهني يبذله الفقيه

في نصوص شرعية في إطار قواعد كلية وضوابط أُصولية، لاستنباط حكم شرعي جديد في مسألة أو حادثة نزلت ببيئة معينة

أو بالبشرية عامة، ولم يسبق لها أن حدثت بذاتها في الدنيا، وليس فقيها ذلك المتشدد المتزمت الذي يُضيق ما وسع الله

في شريعته، كما ليس فقيها ذلك المتسيب المتهاون، وليس فقيها ذلك الذي يتصدر للإفتاء للناس، ولم ينل من العلم

إلا مقدار ما يتناوله الكف إذا صافح سطح الماء، إنما الفقيه هو ذلك الذي يمزج بين الواجب والواقع دون إفراط أو تفريط.

وإن شاء الله نستكمل الحديث فى “قضية بناء الوعى” إن كان فى العمر بقية.

Ibrahim.nssr@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.