” حين ترقص الأحلام ” ..قصة قصيرة للأديب محمد الشرقاوي

الأديب الشاعر محمد الشرقاوي
حالة من اليأس يزأر خلفها بحر من الدموع تتلاطم أمواجه داخل عيني مشهور وتوشك أن تحطم
هذا السد لتحدث فيضانا يراه كل
قائم وعابر ، تتجول عيناه في وجوه تلك الجموع الحاشدة التي جاءت معبرة عن فرحتها ومقدمة
التهنئة لصاحب هذا المنزل وبطل
المناسبة ، أما هو فلم يكن يرغب في الظهور على مسرح الأحداث لكنه آثر التواجد منعا للقيل
والقال .
يعود مشهور بذاكرته لعدة شهور مضت حينما كانت تتراقص أمام عينيه أبراج شاهقة من الأحلام
التي ظل يشيدها منذ بلوغ أخيه عابد سن الستين دون إنجاب
كانت نظرات الأقارب والمحيطين تفصح بتهنئة مشهور باعتباره الوريث الوحيد لأخيه مستقبلا ،
فتلك العقارات والمزارع الشاسعة
حتما ستعود إليه وتفيض خيرا على أولاده الذين يعانون شظف العيش ويتجولون بين المدن بحثا
عن عمل لكن بحثهم دون فائدة .
المصابيح بكل ألوانها تحيط بمنزل عابد والسرادق يضم مئات الكراسي والمناضد التي تزخر بألوان
الأطعمة والمشروبات إلى جانب  أنواع الفواكه التي جادت بها المزارع العامرة
يوم عيد تشهده القرية كلها ، الكبار ينهمون بسعادة أما الأطفال فيأكلون ويأخذون ما تبقى عند انصرافهم وكلما فرغت مائدة أمر عابد
بإعمارها مرات ومرات ، يلتقط مشهور إحدى ثمرات الفاكهة ، يحاول جاهدا أن يوجه يده نحو فمه لكن المسافة بعيدة جدا .
يوجه عابد كلمته لجميع الحاضرين قائلا : أشكركم جميعا على مشاركتي فرحتي بقدوم وليدي بعد هذا العمر الطويل ، لقد أسميته
طاهرا حتى يطهره الله من كل معصية
كما أعلن لكم أنني قد بعت لأخي مشهور مزرعة من أكبر مزارعي وسأعطيه اليوم عقد البيع أمامكم ، حالة من الصمت تسود الجميع
يقترب مشهور ويكاد عقله أن يصاب بالجنون من هول المفاجأة ، ينفجر بركان دموعه ، يسلم على أخيه ، يعانقه عناقا طويلا ،
يتسلم عقد المزرعة ، يدعو الله أن يحفظ أخاه وطفله الصغير
تعود الأحلام أمام عينيه مرة أخرى وتكسو وجهه ابتسامة عريضة ، ينصرف الضيوف بعد حصولهم على الهدايا من لحوم الذبائح
وأكياس الفواكه وعلى ألسنتهم حكايات وعبر من هذا اليوم المشهود .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.