إبراهيم نصر يكتب : عيد الأم .. والتوافق المجتمعي

بدأت فكرة عيد الأم فى الوطن العربى على يد الأخوين مصطفى وعلى أمين مؤسسى صحيفة “أخبار اليوم” وذلك حين وردت إلى على أمين رسالة من أم تشكو له جفاء أولادها وسوء معاملتهم لها، وتتألم من نكرانهم للجميل، وتصادف فى الوقت نفسه أن زارت إحدى الأمهات توأمه مصطفى أمين في مكتبه، وقالت له إنها ترمّلت وأولادها صغار، ولم تتزوج، وأوقفت حياتها على أولادها، حتى تخرجوا فى الجامعة، وتزوجوا، واستقل كل منهم بحياته، ولم يعودوا يزورونها إلا على فترات متباعدة للغاية، فكتب مصطفى أمين في عموده اليومى الشهير الذى كان يكتبه فى “أخبار اليوم” تحت عنوان “فكرة” يقترح تخصيص يوم للأم، فانهالت على الصحيفة الخطابات التي تشجع الفكرة وتؤيدها، وشارك القراء في اختيار يوم ٢١ مارس ليكون “عيد الام”، وهو أول أيام فصل الربيع.
واحتفلت مصر بأول عيد أم فى ٢١ مارس عام ١٩٥٦، ومن مصر خرجت الفكرة إلى العديد من البلاد العربية، وهذا اليوم من السنة مميز عند كثير من شعوب العالم، حيث تحتفل فيه منذ ما قبل ميلاد السيد المسيح حضارات عدة، فمثلاً هو عيد “النوروز” لدى شعوب كثيرة تعتبره أول أيام السنة، مثل الإيرانيين والأتراك والهنود والأرمن والأكراد والتاجيك وغيرهم، وهو طقس يقال إنه قبل الديانة المجوسية، والبعض يربطه بالمجوسية، وما زالت هذه الشعوب وغيرها تحتفل بعيد “النوروز” حتى الآن.
والمصريون القدماء كانوا يحتفلون بهذا اليوم الذي كان اسمه الفرعوني “شمو” ثم تحول مع الزمن إلى “شم النسيم” لارتباط هذا الفصل باعتدال الجو وطيب النسيم، وكان قدماء المصريين يقيمون فى هذا اليوم احتفالا رسميا كبيرا فيما يعرف بالانقلاب الربيعي، وهو يوم يتساوى فيه الليل والنهار، وتصاحبه ظاهرة عجيبة حيث تخترق أشعة الشمس قمة الهرم، فتبدو واجهة الهرم وكأنها انشطرت إلى قسمين.
وكان بعض العرب المعترضين ولايزالون على الاحتفال بعيد الأم، يرون أن سبب إصرار الأخوين مصطفى وعلى أمين على الاحتفال بهذا اليوم، مدفوع من قبل الولايات المتحدة لصرف الأنظار عن الاحتفال بالثامن من مارس اليوم العالمي للمرأة، الذي له دلالات نضالية للمرأة ضد المصانع الأميركية وخاصة مصانع النسيج، عندما خرجت آلاف النساء العاملات في مسيرة ضخمة عام 1857م ثم في عام 1908م للمطالبة بظروف أفضل للعمل، فقوبلت بقمع شديد من رجال الشرطة، ولكن الأمم المتحدة وافقت عام 1977م وأصدرت قراراً يدعو العالم لاختيار يوم للاحتفال بالمرأة فاختارت معظم الدول يوم 8 مارس، ويدعم المعترضون موقفهم بأن كانت للأخوين مصطفى وعلى أمين علاقة وطيدة بالأمريكان والسفارة الأميركية في مصر.
للأسف الشديد بعض المعترضين على تخصيص يوم للاحتفال بالأم يحاولون تغليف هذا الاعتراض بفتاوى دينية تصل إلى حد القول بتحريم هذا الاحتفال، ويعتبرونه بدعة وضلالة،
وطبعا كل ضلالة فى النار، وهذا ما يضطر دار الإفتاء المصرية وعلماء الأزهر المعتبرين، لإصدار فتاوى أو آراء تستنكر هذا التحريم، وتجيز الاحتفال بيوم الأم، أو اعتباره يوما للأسرة، حتى لا يضيق بهذا الاحتفال من فقد أمه، وعلى المعترضين احترام التوافق المجتمعى الذى ارتضى هذا الأمر، خاصة وأنه لا إجبار فيه ولا إلزام، وهو متروك لظروف كل إنسان، مع الوضع فى الاعتبار أن أحدا لم يقل بأن هذا الاحتفال شعيرة دينية، أو أنه من العبادات التى لها طقوس معينة حتى تدخل فى البدع والضلالات.
الأم بالتأكيد تستحق أن نحتفل بها كل يوم من أيام السنة، فدورها المزدوج كامرأة وعاملة وأم، وكذلك كونها تعاني أحيانا من تمييز مجتمعي وجحود من الأبناء في بعض الأسر يدفعنا لتقديرها، وتخصيص يوم للاحتفال يكون مناسبة للتذكير بأفضالها، وحث الأبناء على برها، فكل عام وأمهاتنا الأحياء بخير، والرحمة والمغفرة لمن انتقلن وسبقننا إلى الدار الآخرة.
Ibrahim.nssr@gmail.com
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.