إبراهيم نصر يكتب : كل ماض قد يعود.. إلا العمر

أيام قليلة مضت من العام الميلادى الجديد، ولن أخوض فى الترهات التى يثيرها بعض مثيرى الفتن مع بداية كل عام ميلادى من القول بعدم جواز تهنئة الإخوة المسيحيين بعيد ميلاد السيد المسيح، مخالفين بذلك ما استقرت عليه الفتوى فى مصر بأن هذه التهنئة من واجبات التعايش السلمى، ومن موجبات إفشاء السلام فى المجتمع، وهى من البر والقسط غير المنهى عنهما مع أهل الكتاب، بموجب قول الله تعالى فى الآية الثامنة منسورة الممتحنة: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين”، فهل من البر والقسط أن نتجهم فى وجه الجار أو زميل العمل غير المسلم،ولا نهنئه فى عيده؟وفى تقديرى أن الجهة منفكة بين مجرد التهنئة وقضية الإيمان والكفر،ولكنها تأتى فى إطار قول الحق تبارك وتعالى: “.. لكم دينكم ولى دين”.
الأمر الأهم هو أن ننتبه جميعا إلى أن أعمارنا تمر وتنقضى، وكلما مر عام ينبغى أن نتذكر ما يتعين علينا فعله فى العام الجديد، على مستوى الفرد والأسرة،بل على مستوى الأمة جميعها،وندرك بمرور الأيام،أن عجلة الزمن تدور، وقطار العمر يمضي، وأيام الحياة تمر، فمن منا يتأمل في ذلك جيدا، ويعتبر بما يجري، فالاعتبار مطلبشرعى، أمرنا الله تعالى به فقال سبحانه فى الآية الثانية من سورة الحشر: “.. فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ”.
فعليناأن نتفكر في هذه الأيام والليالي فإنها مراحل نقطعها إلى الدار الآخرة حتى تنتهى إلى آخر الرحلة،وإن كل يوم يمر، بل كل لحظة تبعدنا عن الدنيا وتقربناللآخرة، وإن هذه الأيام والليالي خزائن أعمالِنا،فهى محفوظة وشاهدة علينا بما فيها من خير أو شر، فطوبى لعبد اغتنم فرصها فيما يقربه إلى الله، وطوبى لعبد شغلها بالطاعات واجتناب المعاصى، وطوبى لعبد اتعظ بما فيها من تقلبات الأمور والأحوال. قال أبو الدرداء رضي الله عنه: “يا ابن آدم إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك”، فالعقلاء والحكماء من الناس يتأملون في مضي الدقائق والساعات والليالي والأيام، ويعتبرون بما فيها من مواعظ وأحداث، فيقررون استغلالها فيما ينفعهم، فإن كل ماض قد يعود إلا العمر، فإنه نقص في الأجل، ودنو من دخول القبر، ولله در الشاعر الذى قال:
دَقَّاتُ قلبِ المرءِ قائلةٌ له ** إنَّ الحياة َ دقائقٌ وثواني
فارفع لنفسك بعدَ موتكَ ذكرها ** فالذكرُ للإنسان عُمرٌ ثاني
قال الفضيل بن عياض لرجل: “كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة، قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ، فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، قال الفضيل: أتعرف تفسير قولك: إنا لله وإنا إليه راجعون؟ إن من علم أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف، فليعلم أنه مسئول، فليعد للسؤال جوابًا، فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة، قال: ما هي؟ قال: تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي، أُخذت بما مضى وما بقي والأعمال بالخواتيم”، فالعاقل من اتعظ بأمسه، واجتهد في يومه، واستعد لغده،وما أجمل ونحن في بداية هذا العام أن نتفاءل بالخير، ونستبشر بأن قادم الأيام أفضل، وأن ننطلق بروح جديدة، روح التفاؤل والتحدي.
لقد كان – صلى الله عليه وسلم – يستصحب التفاؤل في كل أحواله، ويستشرف المستقبل جيدا بروح طموحة متفائلة، كارها للتشاؤم، ناظرا لقادم الأيام بنظرة ثاقبة.
تعالوا بنانبتسم للحياة، ونستنشق عبير التفاؤل، ونبدأ العام الجديدمتحررين من الكآبة والسآمة، ونتوشح وشاح العزم والأمل، ولانقطع الأمل بالله فإن بيده سبحانه مقاليد الأمور كلها، وقديما قيل: “تفاءلوا بالخير تجدوه”.
Ibrahim.nssr@gmail.com
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.