عالم مجنون

بقلم / حازم منير

الباكستان تهدد الهند، والطرفان يتبادلان الاشتباك على الحدود، ويسقط من الجانبين قتلى، والصين تهدد هونج كونج، وأمريكا تتهم بكين بـ«البلطجة»، وكوريا الجنوبية تتلاسن مع اليابان وتتبادلان التهديدات، وروسيا وأمريكا تلغيان اتفاقيات أسلحة نووية، وترامب يهدد العالم، ويلوّح بإمكانية الانسحاب من اتفاق التجارة العالمى، وصراع داخلى حاد فى بريطانيا لا يعرف أحد مداه، ويمين متطرف ينمو بسرعة رهيبة فى الغرب ويستولى على بعض مراكز القرار فى دول أوروبية مهمة، وعمليات قتل يتسع مداها على أيدى المتطرفين الغربيين، والإرهابيون يجولون ويصولون فى مناطق متعددة من العالم، يضربون بلا رحمة، ويشيعون عمليات قتل الأبرياء، حتى صنعوا ساحتهم للحرب فى وسط القارة السمراء، والشرق الأوسط تحول إلى بؤرة دمار، وصارت صورته الذهنية منطقة قتل وخراب، وشركات تجارية عالمية أصبحت ممولاً رئيسياً لميليشيات مسلحة تحمى مصالح هذه الشركات بأعمال الإرهاب والعنف.

هكذا يبدو العالم فى النصف الأخير من العشرية الثانية للقرن الحالى، وهو مشهد ترسمه قوى كبرى، تعمل على صيانة مصالحها ولو بالقوة، وتفرض نفوذها على خريطة سياسية جديدة تحاول فرضها لمصالحها الوطنية.

الحاصل أن العالم عاد إلى مرحلة التشكل مجدداً، ولكن هذه المرة ليس بين قوتين أيديولوجيتين عظميين، وإنما بين قوى جميعها تنتمى فعلاً لمعسكر الرأسمالية، وقوى تتلون بجمل ومصطلحات وتعبيرات سياسية تمثيلية خادعة وماكرة.

الشاهد أيضاً أن العالم تعلّم من تجاربه السابقة، ولا يرغب -فى ما يبدو- فى تفجير البشرية مجدداً بحرب كونية جديدة، يستخدم فيها كل تقدمه وتطوره العلمى والتكنولوجى، لكن الصراع الدائر على المصالح ربما ينبئ بمواجهات قابلة للتحقق، إذا ما واصل قادة العالم صراعاتهم وضغوطاتهم المتبادلة، ووقتها سيكتشف العالم، بعد فوات الأوان، أنه لم يتعلم من تجاربه السابقة كما كان يتخيل.

نحن فى حالة من حالات الصراع العبثى، تستيقظ كل يوم لتسمع أو تشاهد مناطق مشتعلة جديدة، أو تلاسنات وتبادل اتهامات وتهديدات، وتنتظر بين لحظة وأخرى خبر انفجار قنبلة هنا، وأخرى هناك، وإطلاق صواريخ، أو اشتباكات متبادلة حدودية بين دولة وأخرى، من دون سابق إنذار.

نعيش حالة تاريخية تستوجب الانتباه واليقظة الشديدة، والانتباه والتركيز على البناء الداخلى، والسعى للاقتراب من هذه المنظومة الكونية، ولكن من دون الاحتراق بنيرانها.

فعلاً نحن نعيش فى لحظة مختلفة وفى عالم مجنون.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.