محمد يوسف العزيزي يكتب : الترشيد .. وأنيميا الوعي !

الكاتب الصحفي محمد العزيزي
لماذا اعتبر البعض ” الترشيد ” .. كلمة سيئة السمعة ؟ ولماذا اعتبرها البعض الآخر مبررا  لإخفاء فشل الحكومة
في مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر ؟ ولماذا رآها آخرون وسيلة للالتفاف علي جيوب المواطنين خصوصا
الغلابة وأصحاب الدخول البسيطة ؟
هذه نماذج من أسئلة كثيرة دارت علي فضاء السوشيال ميديا وأحدثت حالة جدل اشترك فيه –
للأسف الشديد – مثقفون وكتاب رأي منهم من هم علي درجة علمية رفيعة المستوي
ومنهم من يعتبرون أنفسهم من قادة الرأي حسب تصورهم الشخصي ، وحسب عدد اللايكات
والكومنتات التي  يلاحقهم بها متابعينهم عن جهل وعن قلة وعي ،  وربما رغبة منهم في مجرد
المشاركة !
 المدهش أن من يطرحون هذه الأسئلة يردون علي متابعيهم باستحسان لأي رد أو “هري ” حتي
وإن كان خارجا عن الموضوع !
هؤلاء الذين يطرحون هذه الأسئلة خصوصا المثقفون منهم وحملة شهادات الدكتوراه في الاقتصاد يدركون جيدا أن
الترشيد هو مسئولية كل مواطن ، وهو سلوك طوعي لا يمكن إجبار المواطن عليه لأنه في النهاية هو من يدفع
قيمة فاتورة استهلاكه سواء كان الاستهلاء رشيدا أو سفيها  !
 ويدركون أيضا أن القرارات التي أعلنها رئيس الوزراء الخاصة بترشيد استهلاك الكهرباء هي موجهة بالدرجة الأولي
للحكومة بكل مؤسساتها ودواوينها ، ومحلياتها ، وميادينها ، وطرقها التي تستهلك الكهرباء نهارا وليلا بلا ضوابط
حاكمة في الاستهلاك ، وبلا مراعاة للأزمة العالمية التي رفعت أسعار الطاقة ، وبالتالي ارتفع معها كل شيء .
الغريب أن بعضهم قال : كيف تطلب منا الحكومة الترشيد وهي تعلن ليل نهار عن فائض في الكهرباء ، وعن اكتفاء
ذاتي من الغاز ..؟ المفروض الحكومة تقلل أسعار الكهرباء ، والأفضل تبقي ببلاش لمن يستهلك حتي 100 كيلووات
، وبعضهم قال أن الكهرباء لا تخزن ، والفائض منها يضيع في الشبكة القومية ولا نستفيد منه .. ولا أعرف كيف تضيع
الكهرباء في الشبكة إلا إذا كانت الكهرباء تولد نفسها بنفسها !
الحقيقة أن طلب الحكومة الترشيد يجب أن يكون دائما وفي كل الأحوال ويجب أن يكون في كل المجالات خصوصا
وقت الأزمات ، ويجب أن تبدأ هي وتطبق علي نفسها .. والصور المطلوب الترشيد فيها كثيرة ، فما بالنا والعالم
يصرخ من أزمة طاقة وارتفاع كبير في أسعار النفط والغاز !
الترشيد يعني ببساطة توفير جانب من استهلاك الغاز المستخدم لتوليد الكهرباء للتصدير للدول التي تعاني من
أزمة في الطاقة في ظل ارتفاع الأسعار بما يحقق عائد جيد من العملة الأجنبية التي نواجه صعوبة معها
كما أن ترشيد استخدام الكهرباء يسمح بتصدير الفائض من الكهرباء المنتجة للدول المجاورة وتحقيق عائد آخر من
العملة الأجنبية .. هذا بالنسبة للدولة وسياستها في إيجاد حلول للأزمة القائمة والتي ربما تمتد طويلا .. لا أحد
يعرف متي تنتهي ؟
وفي هذا رد علي من يقولون أن طلب الترشيد مبرر لإخفاء فشل الحكومة .. بينما هي تسعي لتعظيم الفائدة من
سلعة استراتيجية يلهث العالم وراءها ويدخل في حروب للاستحواز عليها
الترشيد أيضا يقلل فاتورة الاستهلاك للمواطن الذي يعاني من ارتفاع أسعار السلع والخدمات الضرورية اللازمة
لتسيير حياته اليومية  ليصبح قادرا علي تدبيرها
 وفي هذا رد علي من يقولون أنه التفاف علي جيوب المواطنين .. إذ لم يصل لعلمنا دولة تقدم الكهرباء والخدمات
مجانا لشعبها !
الترشيد كلمة لم تكن يوما سيئة السمعة ، ولم تكن أبدا ضد المواطن أو قيدا عليه .. لكن من يتصيدون لمصر
ولمسيرتها ، وللقيادة التي تسعي بكل جهد لخلق واقع جديد فيها يرون دائما أنها كلمة سيئة السمعة وأن وراءها
نوايا سيئة .. وهم في الحقيقة أصحاب النوايا السيئة .. وهم عواجيز الفرح الذين يأكلون ويشربون فيه ويتقولون
علي أصحابه بالباطل بعد امتلاء بطونهم !
قال الله تعالي في وصف عباد الرحمن  وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا  “ ..
 وقال تعالي في موضع آخر ” وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ  ” صدق الله العظيم
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.