عبد الناصر البنا يكتب : الإستقرار .. أم الإنتخابات أولا فى ليبيا ؟

عبد الناصر البنا – الفضائية المصرية
” الفرخة أم البيضة أولا ” هو السؤال الوجودى فى المشهد الليبى الذى أفضى إلى إنتخبات رئاسية وتشريعية وصل عدد المتقدمين إليها حتى الآن إلى 14 مرشحا والعدد قابل للزيادة فى المستقبل حتى إجراء الإنتخابات فى ديسمبر المقبل ،
ولكن يبقى السؤال : هل لابد من تحقيق الأمن والإستقرار فى ليبيا وإحكام سيطرتها على حدودها وطرد المرتزقة والميليشيات المسلحة والجماعات والتنظيمات التكفيرية والإرهابية مثل “داعش والقاعدة وبوكو حرام ونصرة الإسلام والمسلمين .. إلخ ” والعصابات وجماعات المتمردين التى تمرح فى الجنوب الليبى أولا ،
أم أن إتمام العملية الإنتخابية وإحتيار رئيس للبلاد من بين المتقدمين للترشح لمنصب الرئاسة هو الذى يمكن أن يعيد الأمن والإستقرار فى ليبيا ؟
ليبيا أو ” الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الإشتراكية العظمى ” وهو المصطلح الذى صاغه الزعيم الليبى العقيد مُعمّر محمد عبد السلام القذّافي أو الأخ القائد المولود فى 7 يونيو عام 1942 والذى حكم ليبيا لـ أكثر من 42 سنة ” سبتمبر 1969 : أغسطس 2011 “
تقع ليبيا في شمال أفريقيا يحدها البحر المتوسط من الشمال ، ومصر شرقا ، والسودان إلى الجنوب الشرقي ، وتشاد والنيجر في الجنوب ، والجزائر وتونس إلى الغرب ، وتبلغ مساحتها ما يقرب من 1.8 مليون كيلومتر مربع ، وتعد ليبيا رابع أكبر دولة مساحةً في أفريقيا .
الخقيقة أننى لست بصدد الحديث عن سياسة العقيد معمر القذافى الخارجية وتحالفه مع الكتلة الشرقية وكوبا ودعمه لحركات التمرد فى مناطق عديدة ، وقيامه بشن غارات على بعض الدول المجاورة مثل ” جمهورية تشاد ” خلال سبعينات وثمانينات القرن الماضي ، وغيرها من السياسات التى كانت سببا فى تدهور علاقاته الخارجية التى بلغت ذروتها فى منتصف ثمانينات القرن الماضى عندما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بقصف ليبيا ،
وقد دفع سلوك القذافى الذي غالبًا ما كان شاذًا وغير منتظم ، بعض مواطني الدول الخارجية إلى إستنتاج أنه لم يكن سليمًا عقليًا ، وهو إدعاء عارضته السلطات الليبية وآخرون من المقربين منه .
بدأت الأزمة فى ليبيا تزامنا مع ثورات الربيع العربى فى 2011 عندما إندلعت فى ليبيا حربا أهلية شكلت خلالها قوات المتمردين المناهضة للقذافي فى المناطق التى تسيطر عليها لجنة سُميت ” بالمجلس الوطني الإنتقالي”
ومن المفترض أن تكون بمثابة سلطة مؤقتة فى البلاد ، وقد أدى تدهور الأوضاع فى ليبيا إلى تدخل عسكرى متعدد الجنسيات بقيادة قوات منظمة حلف شمال الأطلسي ” الناتو ” لدعم المتمردين بعد عمليات القتل التى تمت على أيدي القوات الحكومية ، وتلك التي ارتكبتها قوات المتمردين ،
وقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة إعتقال بحق القذافي وحاشيته ، ثم أُطيح بحكومة القذافي في أعقاب تحرير طرابلس
من قبل القوات الثورية .
وعلى الرغم من ذلك ، صمدت بعض جيوب المقاومة الداعمة لحكومة القذافي لمدة شهرين آخرين ، ولا سيما في مدينة سرت التي كانت مسقط رأس القذافي والتي أعلنها عاصمة ليبيا الجديدة ،
وكان سقوط سرت فى أكتوبر 2011 بصفتها آخر المدن المتبقية الخاضعة لسيطرة القذافي بمثابة نهاية للجماهيرية العربية الليبية ، والتي تبعها مقتل القذافي لاحقًا ،
الحقيقة أن ليبيا تمر الآن بمرحلة من أصعب المراحل فى تاريخها ، مرحلة تفتقد فييها للأمن والإستقرار وهو مايمثل تهديدا للعملية الإنتخابية برمتها ،
فهى ماتزال تعانى من شبح الحرب الأهلية ومن إنقسامات داخلية ، وأزمات سياسية تعصف بها منذ عقد من الزمن . ومن عدم القدرة على إحكام السيطرة على حدودها ، ومنع تسلل الجماعات الإرهابية ، وخاصة وأن لليبيا حدودا مفتوحة بطول 2000 كم على عدة دول ، وخط جنوب الصحراء ممتلىء بالجماعات التكفيرية والإرهابية ،
وهناك من الجماعات المتمردة فى الجنوب الليبى ، وبعد إنحسار داعش فى سورية والعراق ، إتخذ من ليبيا موطنا له ، أضف إلى ذلك ميليشيات الإخوان والتنظيمات المناصرة لها بعد أن فقدوا مواقعهم فى مصر وتونس .. إلخ كلها تشكل تهديدا للأمن القومى الليبى .
ليبيا هى الحدود الغربية لجمهورية مصر الغربية ، وهى إمتداد وعمف إستراتيجى للأمن القومى المصرى والحقيقة أن مصر منذ بداية الأزمة فى ليبيا كان لها رؤيتها المتوازنة والرشيدة القائمة على ثوابت السياسة الخارجية المصرية وتعاملها مع القضايا الدولية والإقليمية والعربية من متطلق النبل الإنسانى والحرص على الأخوة وصلات الدم وإحترام الآخرين ،
وخاصة إذا علمنا أن هناك مايقرب من الـ 12 مليون مصرى من أصول ليبية ، ولم تكن مصر أبدا دولة معتدية ، وإنما تحمى حقوقها وأشقاءها ، ومن أجل ذلك سعت مصر إلى إستقرار ليبيا إنطلاقا من الحافاظ على الأمن القومى المصرى .
البداية جاءت من رسم الخطوط الحمراء ( سرت ـ الجفرة ) التى كانت بداية لـ طريق السلام بين الفرقاء الليبيين الذين إجتمعوا فى ” جنيف ” وحققوا إنجازا كبيرا بالتوقيع على إتفاق لوقف إطلاق النار بشكل كامل فى البلاد فى أكتوبر الماضى والتشديد على خروج القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب
وهو مارحب به الشارع الليبى بشكل واسع . ولقد لعبت القاهرة دورا محوريا بارزا فى وضع أسس حل الأزمة الليبيه من خلال ” إعلان القاهرة ” الذى دفع كل الأطراف للقبول بوقف إطلاق النار والشروع فى عملية سياسية كاملة مكنت من عقد إجتماعات للأطراف الليبيه فى جنيف وأفضت إلى تشكيل سلطة تنفيذية جديدة متمثلة فى مجلس رئاسى  من رئيس ونائبين ورئيس حكومة وصولا إلى الإنتخابات الرئاسية والتشريعية
التى يراها البعض الحل السحرى للصراع الراهن بين المكونات الليبية وذلك للشروع فى تمكين الاشقاء فى ليبيا من توحيد كل الجهود للعمل على بناء المؤسسات الوطنية وتفعيل دورها بشكل اكبر خلال الفترة القادمة
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.