عبد الناصر البنا يكتب : ” قصر أندراوس باشا ” .. ومسلسل هدم المبانى التراثية ..

عبد الناصر البنا – الفضائية المصرية
يوم حزين فى تاريخ مدينة الأقصر العريقة بسبب هدم قصر أندراوس باشا أو ” بيت الأمة الثانى ” كما يطلق عليه أبناء الأقصر ، لأنه
القصر الذى إستقبل زعيم الأمة سعد باشا زغلول ، كما إستقبل العديد من ملوك ورؤساء العالم ، وكان شاهدا على حضور إمبراطور
أثيوبيا ” هيلا سلاسى ” للأقصر فى عام 1930 .
يقع قصر توفيق باشا أندرواس على الضفة الشرقية لـ نهر النيل فى حرم معبد الأقصر أو معبد آمون كما يطلق عليه الفراعنة ، وهو
يعد واحدا من أهم وأشهر القصور ليس فى مدينة الأقصر وحدها وإنما فى مصر كلها .
ويرجع تاريخ بناء القصر إلى القرن الثامن عشر على يد توفيق باشا أندراوس ، وهو مبنى على الطراز الإيطالى ويتكون من طابقين ،
ويحتوى على عددكبير جدا من الكنوز والقطع الأثرية النادرة .
وترجع شهرة هذا القصر إلى أنه بعد بزوغ نجم توفيق باشا اندراوس ” وكان نائبا عن الأقصر فى مجلس الأمة بدون منافس لمده 14
عاما ” ، أنه إستقبل فيه زعيم الامة سعد باشا زغلول ، بعد أن تحدى فى عام 1921 مدير الامن” بدر الدين بك “
عندما صادرت الحكومة وسلطاتها حرية سعد زغلول ومنعت الباخرة ” نوبيا ” التى يستقلها ان ترسو على أى شاطىء من شواطىء
المدن بحجة المحافظة على الأمن العام إلى أن رست أمام قصر توفيق باشا .
وللأسف بجرة قلم .. شطب التاريخ ، وهدم قصر توفيق باشا أندراوس الذى يعد واحدا من أهم رموز الوحدة الوطنية فى مصر ، وهو
الذى عاش حياته مدافعا عن مصر .. بجرة قلم هدم القصر الذى يحمل قيما ” معمارية وابداعية ووطنية وتاريخية وجمالية ورمزية “
عديدة .. بجرة قلم إنتهت قصة القصر الذى يجكى الكثير عن تارخ أسرة توفيق باشا الذى باع 700 فدان لإنقاذ الوفد من الإفلاس ..
بجرة قلم هدم القصر الذى يعد جزءا هاما من تاريخ الوطن بل وشاهدا على تاريخ الأقصر الحديث .
إنه لـ يوم حزين ، جعل الأقصر كلها مدينة حزينة ، رغم عظمة ماتحويه من آثار إلا أنها فقدت ” بجرة قلم ” كل هذه القيم ، وشطب
التاريخ رغم تدشين حملة لوقف هدم القصر وإعادة النظر فى هذا القرار ” الجاهل “
الحقيقه لدى أسئله كثيره لم أجد لها إجابه : ــ
ــ من الذى روج وسبب لمتخذ القرار الأسباب أن يتخذ قرار الهدم المشين بحجة أن القصر متهالكا وآيلا للسقوط ــ أين لجان الحفاظ
على التراث ، بل اين وزاره الآثار ووزيرها الهمام د. خالد عنانى ؟
ــ من الذى يوقف الجهل والهدم والغموض الذى يفقدنا تاريخنا وهويتنا ؟
فى عام 1893 ولد توفيق أندراوس فى مدينة قوص جنوب قنا ، لـ اسرة عريقة ، كان والده أندراوس باشا بشاره من أثرياء مصر فى
ذلك الوقت ، ورث توفيق أندراوس حب العمل العام والخيرى والسياسى عن والده الذى أوقف 100 فدان من أملاكه لخدمة مساجد
وكنائس الأقصر “مناصفة” ، وعشرة أفدنة لخدمة المدرسة الصناعية وبنى مدرسة الأقباط ومسجد المقشقش والمدامود وغيرها
الكثير من المشروعات الخيرية ، من صفحة الأستاذ Emad Othman Mahran أحد ايقونات الحفاظ على التراث المصرى ــ صفحة
محبى الفنون والثار .
تصدر توفيق باشا أندراوس صفوف ثوره 1919 ووهب لها حياته رغم محاولات القصر الملكى أن يثنيه عن توجهاته السياسية فعرض
عليه ” أحمد حسنين باشا ” رئيس الديوان الملكى فى عهد الملك فاروق وكان زميلا له فى جامعة أكسفورد رغبة الملك فى تعيينه
سفيرا لمصر فى لندن على أن يوقف نشاطه المعادى للإنجليز ، ولكنه رفض ليواصل الكفاح مع الحركة الوطنية ، وعندما نفى زغلول
ورفاقه لم يتردد توفيق باشا اندراوس فى أن يبيع 700 فدان من أملاكه ويضع ثمنها تحت تصرف أم المصرييين ” صفيه زغلول “
لتمويل الحركة الوطنية . ويذكر التاريخ لتوفيق باشا أنه نتيجة لمجهوده دخلت المياه النقية والكهرباء الأقصر قبل الجيزة !!
جرة قلم تشطب تاريخ هؤلاء العظماء ، ولكن ذكراهم سوف تظل باقية الى الأبد بأعمالهم وعطاياهم الخيرية للحبيبة مصر ، ولمدينة
الأقصر الخالدة ، فى عام 1935 توفى توفيق باشا أندراوس وهو فى ريعان شبابه وسنه لم يتجاوز الـ 43 من عمره ، وتصادف أن
يجتمع يوم وفاته عيدى ” الفطر الميلاد ” فى يوم واحد فخيم الحزن على مدينة الاقصر وخرجت جماهير الأقصر والبلاد المجاورة فى
موكبه الحزين ، وبكاه أبناء الأقصر جميعا ، وكانت جنازة مهيبة تليق برجل خدم وطنه بكل أمانة .
فى الـ 7 من يناير عام 2013 إستيقظت مدينة الأقصر على جريمة قتل بشعة هزت أرجاءها ، عندما عثر رجال الأمن على جثتى إبنتا
توفيق أندراوس ” لوجى وصوفى ” بعد قتلهما بضربات على الرأس ، وكانتا فى العقد الـ ثامن من عمرهما دون أن يتم سرقة أى
شىء من محتويات القصر ، ولم يتم الوصول إلى الجناة أو فك لغز الجريمة الغامضة التى قيدت ضد مجهول وبقيت سرا غامضا إلى الان .
الغريب والعجيب بل والطريف أن مصر بها ترسانة من القوانين التى تحمى الآثار ومنها قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983
والمعدل بالقانون رقم 3 لسنة 2010 والمعدل بالقانون رقم 91 لسنة 2018 والوارد به تعريف واضح للآثار ، وهناك قانونًا آخر خاصًّا
بالمباني التراثية بمصر وهو القانون رقم 144 لسنة 2006 وهى المبانى والمنشآت ذات الطراز المعماري المتميز أو المرتبطة بالتاريخ
القومي أو بشخصية تاريخية أو التي تمثل حقبة تاريخية أو التي تعتبر مزارًا سياحيًا . وعلى الرغم من ذلك تستمر لعبة القط والفار
بين الدوله وأصحاب المصالح من أجل تعطيل القانون أو التحايل عليه ، وهدم تلك المبانى والقصور وماتحمله من قيما تاريخية وطرزا
معمارية قريده لاتقدر بثمن ..افيقوا !!
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.