إبراهيم نصر يكتب: الحقوق العامة أشد خطرا من الخاصة

نعلم جميعا أن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، وأن العبد إذا حج بالمال

الحلال ولم يرتكب شيئا مما نهى الله عنه أثناء أداء المناسك، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه،

وأن الزهد فى الدنيا بعد أداء الفريضة.. يعد علامة من علامات القبول،

ونعلم أيضا أن الحقوق العامة أشد خطرا من الخاصة.

وإن العبادات جميعها ومنها الحج، لا تكون صحيحة إلا إذا كانت خالصة لوجه الله تعالى.

وإذا أراد الحاج الوصول لدرجة القبول، بعدما تجرد من الدنيا راجيا من مولاه تحقيق ما

تمناه، من العودة من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فما عليه سوى أداء الحقوق بنوعيها:

العام والخاص، حتى يتسنى له القبول.

والحقوق العامة أشد خطرا من الحقوق الخاصة، لأن الحق الخاص يمكن أن يتحلل منه المرء بالوفاء به لصاحبه،

أو قد يعفو صاحب الحق فى الدنيا، أما الحق العام فهو متعلق بجمع غفير من الناس فيصعب التحلل منه حتى إذا قام

المعتدى برد الشئ إلى أصله، لأنه لن يستطيع الوفاء بما ترتب على اعتدائه على المال العام أو المرفق العام،

ولا يضمن أن يسامحه من لحقه أذى بسبب هذا الاعتداء، فالذين يعتدون على أى مرفق عام عقابهم أشد بكثير

ممن يعتدى على حقوق الأفراد.

حقوق العباد لا يكفرها إلا الأداء

والوفاء بالحقوق العامة والخاصة، موضوع يأخذنا الى ضرورة الوفاء بالحقوق قبل وبعد أداء فريضة الحج، فيرى جمهور الفقهاء أن

الذنوب التى يكفرها الحج هى ماكانت بين الإنسان وربه، أما ما كان بين الإنسان وأخيه الإنسان، فلا يكفرها إلا الأداء.

وأداء الحقوق لا يخص الحجيج وحدهم، بل إن الخروج من حقوق العباد ضرورى للحجيج وغيرهم، لأنها تغلق باب الجنة أمام

العبد إذا كان ملوثا بشئ منها، وقد نبه إلى ذلك نبى الإسلام ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله فى حديث ما معناه:

“الظلم ثلاثة، ظلم لايغفره الله أبدا، فهو الشرك، قال تعالى: “إن الشرك لظلم عظيم”، وقال سبحانه: “إن الله لايغفر أن يشرك

به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وأما الظلم الذى يغفره الله فهو ما كان بين العبد وربه .. قال تعالى:

“قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا”،

وأما الظلم الذى لايترك الله منه شيئا، فهو ما كان بين العبد وأخيه”.

والوفاء بحقوق بنى الإنسان من مكارم الأخلاق التى دعا إليها الإسلام، وتخلق بها أنبياء الله، الذين هم قدوة البشر فى الدعوة إلى الخير والتحلى بالفضائل، قال سبحانه: “لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتولى فإن الله هو الغنى الحميد”.

ومما يعين الإنسان على الوفاء بالحقوق أمران.. الأول: تذكر هذه الحقوق، والثانى: قوة العزيمة التى تعين على الوفاء بما يذكره، وإلا فكيف للإنسان أن يفى بشئ نسيه؟، قال تعالى: “ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسى ولم نجد له عزما” (115ـ طه).

ونؤكد فى النهاية أن الحقوق العامة هى واجبات الأفراد نحو المجتمع، كالزكاة والضرائب وحفظ المال العام، والحقوق الخاصة هى واجبات الأفراد حيال بعضهم، والأخيرة هذه نوعان: حقوق معنوية، وحقوق مادية.. أما الحقوق المعنوية: كالغيبة والنميمة، والسب، والكذب، وماشابه ذلك، والحقوق المادية كالدين مثلا، أو أخذ مال الغير، والأمانات المادية والودائع العينية، وإنزال الضرر بالناس كحرق مسكن أو تقطيع زروع وغير ذلك، وهذه الحقوق ـ العام منها والخاص ـ هى ما تسمى بحقوق العباد التى أوجب الله الوفاء بها.

سلمنا الله وإياكم، ووفقنا إلى أداء الحقوق العامة والخاصة .. المادية والمعنوية.. خير أداء.

Ibrahim.nssr@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.