محمد نبيل محمد يكتب : 30 يونية ثورة وطنية تعيد ترتيب الواقع الإنسانى

الثورة فى أبسط تعريفاتها هى تغير الأمر الواقع للأفضل بطرق غير تقليدية,ولأن المجتمع المصرى الذى عرف شكل الدولة مع بدايات الحضارة الإنسانية وتحديداً مع توحيد مينا نارمر القطرين فى 3200 قبل الميلاد وظهور مصر بملامح واضحة للدولة والتى تشتمل كتعريفات علم الجغرافيا السياسية على الأرض والسكان والحكومة وتأسست الدوواين المعنية بالبناء والزراعة والصناعة والعدل والجيش الحامى للأرض والسكان فضلاً عن إرتباط إستقرار المصرى بحاجة ملحة فى التدين والبحث عن إله معبود وامتزجت كثير من الأفكار والمعتقدات الروحانية بحياة المصريين وعلى الرغم لم يرض المصريون بالحكم الثيوقراطى على مدار عهد الأسرات الثلاثين وما بعدها مروراً بالإحتلال الفارسى ثم الرومانى حتى مع الفتح الإسلامى كان للمصريين طابعاً خاصا فى علاقتهم بموطن الخلافة تميز عن باقى الولايات ويذكر التاريخ أن عمرو راسل الخليفة عمر واصفاً إمارة مصر بأنها تعدل خلافة,ولم يختلف الحال فى الخلافات الأموية والعباسية مروراً بالحلقات الفاطمية والأيوبية والطولونية والإخشيدية إلى أن إصطدم المصريون بالعثمانيين بعد هزيمة المماليك فى المعركة الأشهر مرج دابق وشنق طومان باى على باب زويلة ولم يخشى المصريون من دعاوى الخلافة الإسلامية على يد رجل اوربا الضعيف ورفضوا حكم الثيوقراط الذى الهب ظهورهم بجباية الضرائب أو الحلوان تحت إسم الدين إلى أن خرج رجال الدين أنفسهم ومنهم علماء الازهر الشيخ الساداتى والشيخ المحروقى نزولا على رغبة المصريين فى إسقاط والى الباب العالى الفاسد وتولية محمد على فى مايو 1805 وبدأت مصر الحديثة تفرض وجودها على الخلافة الاسلامية حتى استقلت عنها بالولاية لأسرة محمد على ثم لأكبر أبنائه وعندما ظن الأبناء أنهم أسياد الشعب وفرقوا بين المصريين والشراكسة والأتراك كانت الثورة المصرية على أبناء محمد على متمثلة فى حركة عرابى فبراير1881وقصائد محمود سامى البارودى رب السيف والقلم التى استشرت بين ولايات الحكم الثيوقراطى العثمانى وخاصة فى إمارات دايات وبايات شمال إفريقيا,وعرف المصريون سر الخلطة فى صناعة الثورات وفى تصدير أفكار التحرر من قيود الحكم الثيوقراطى والذى أخذ فى التلاشى وحل محله الإحتلال الإمبريالى فإستخدمت مصر الصحافة بوقاً لحريتها مع مقالات مصطفى كامل 1905ومن ورائه شريك الكفاح الرأسمالى محمد فريد فى مواجهة الاستعمار الذى أفرط فى وعود الاستقلال للمصريين نظير المساعدة فى حربه العالمية ضد القوى الألمانية والإيطالية الناشئة وذات الرغبة فى أرث رجل اوربا الضعيف (الثيوقراطى) حتى ألهبت طقاطيق سيد درويش حماسة المصريين فى تجميع توقيعات بالملايين وتلك المرة الاولى فى التاريخ الانسانى أن يفوض شعب زعيماً بصك مكتوب ممهور بتوقيعات وبصمات الجماهير للإفراج عن سعد زغلول ورفاقه الثلاثة فى مارس 1919والسماح لهم بالتفاوض بإسم المصريين ولم تكن تلك التوقيعات هى الملمح الوحيد فى صناعة المصريون للثورة بل أيضاً للمرة الأولى تخرج النساء من بيوتهن والأطفال من مدارسهم فى مشهد يحتاج أن يقف التاريخ أمامه بأليات الثقافة بدءا من النثر والنظم مرورأ بالتوثيق المتلفز فى قوالب درامية متباينة حتى نسجل لحظة الابداع الجمعى لحضارة المصريين التى أجبرت أعتى الإمراطوريات للعدول عن قراراتها والوقوف إحتراما لهذا الشعب,وتجمدت إتفاقية سايكس بيكو على الأقل تجاه مصر,ولكن أمام ضعف الإرادة الملكية فى التخلص النهائى من الإحتلال وفشل أولى جولات الصراع العربى الإسرائيلى وفطن المصريون لمحاولات جديدة من استعمار وعد بأرض لايملهكا لمن لايستحقها وبالتخطيط لتفيذ شكل جديد للأمه العربية بزرع عصابات صهيونية فى شكل دولة تحمل إسماً ثيوفراطياً(تماما كما ذكر جوزيفيوس فلافيوس أن أشكال الدول فى بدايات القرن الاول الميلادى اتخذت من الملكية والارستقراطية والفوضوية نمطاً عدا التجمعات اليهودية هى الوحيدة التى اتخذت من الطابع الدينى اساسا لنمط الدولة فكانت أول أنماط الثيوقراط) تم تخيرها لاقامة بيتها الكبير من بين مستعمرات فى افريقيا أو امريكا اللاتينىة إلا أن الإختيار وقع على إحتلال فلسطين وسرعة إعتراف أحد اقطاب الاستعمار الناشء فى مايو 1948 فكانت ثورة المصريين وراء جيشهم للتخلص من الملكية وتأسيس جيش قوى وتحقيق عدالة إجتماعية وتصدرت أفكار ثورة 52 إلى العالم الثالث للتحرر من الاستعمار وكانت اوليات الشقيقات الجزائر التى عانت مصر من دعمها الثورى بعدوان 56 وتوالت حلقات الاستعمار فى الإنفراج عن الدول والإمارات العربية حتى قويت جامعة الدول العربية ثم تحررت إقريقيا تباعاً وظهرت منظمة الوحدة الافريقية وبالتزامن تحررت اسيا وامريكا اللاتينية وتجمع تكتل دول عدم الانحياز ثم منظمة العالم الإسلامى فضلا عن الأحزاب التى نشئت بدولها وإتخذت من أهداف يوليو دستوراً لها,وبعد مايزيد عن نصف قرن يظن الأخر أن المصريين فقدوا مهارة صناعة الثورات أو أنهم شبه جثة منشغلة بإقتيات ما يُبقيها وفقط وتلاعبوا بشريان الحياة(النيل) وإتفق القاصى والدانى وزادوا من الشعر الأخرق بيتاً إذ خططوا لإجتزاء أرضاً من سيناء رمز الشرف المصرى لإيجاد حل لإستعمارهم أرضا على حساب المصريين ووجدوا فى الشعب صفة مازالت زاهية وهى التدين فخططوا لشرق أوسط جديد بفرض النمط الثيوقراطى على الدولة المصرية عندما سرقوا ثورة ناشئة فى 2011 وأكسبوها لونا كثوراتهم الملونة(المُصدرة بهدف التخلص من الجمهوريات الروسية السابقة والتى اتخذت من حركات العصيان المدنى وإعلان المطالب الفئوية مع استخدام بدايات سلمية تتحول تدريجيا إلى دموية تنتهى بتحويل الدولة إلى المضطربة ثم الرخوة ويطلقون أسماء ألوان وزهرات كالثورة الوردية فى جورجيا والبرتقالية فى أوكرانيا والقرمزية فى التبت والزعفران فى بورما والأرز فى لبنان)وتلتقط أيادى الاستعمار أنظمة عميلة تحقق أهدافهم,وما هى إلا أيام وتعالت أصوات اقتطاع أرضاً من مصر وانتشرت ملامح عابسة غير مصرية فى الشارع المصرى بما يشبه الحرس الثورى وعبر الأنفاق دخلت الأسلحة القاتلة للأفراد والصواريخ المضادة للطائرات والمدرعات والمعدات والملابس العسكرية,وخرجت المنتجات البترولية والتموينية,والأدهى أن إجترأ هؤلاء على سيدات مصر صفعاً,وعلى أطفالها وأداً وتردياً من أعالى البنايات,وطال الاستعداء شركاء الوطن,بل وكفرت القِلة الكَثرة فخرج الملايين فى كتلة بشرية تجاوزت الثلاثة والثلاثين مليوناً تفوض من جديد من يخلصونها من الولاية الثيوقراطية,ومرة ثالثة يفشل الإستعمار بأليات الجيل الرابع والخامس من فرض مخطط الفوضى الخلاقة وتتحطم أحلام الشرق الأوسط الجديد عند الصخرة كما يسمونها فى ملفاتهم السرية,وتتصدر مبادىء 30 يونية الى الشعوب المجاورة وتستعصى على الإنقسام,ويسطر التاريخ من جديد أن المصريين قادرون على إعادة صنع الثورات وليس استيرادها,فعندما تثور مصر يُعيد العالم ترتيب أوراقه,وأضاف المصريون لادبيات القوى الناعمة عنصرا جديدا وهو(صناعة الثورات الوطنية).
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.