عبد الناصر البنا يكتب : القرار الصعب

عبد الناصر البنا – الفضائية المصرية
إن أصعب ما يواجه متخذ القرار ” قائدا كان أو قاضيا أو مديرا فى عمله ” هو أن يتخذ قرارا فى موضوع أصبح قضية رأى عام ، وكم من ضحايا لقرارات إتخذت إرضاءا للرأى العام ، والحقيقة أن قضية ” سد النهضة ” لم تعد قضية رأى عام على المستوى المحلى ، بل أصبحت قضية ينظر إليها العالم بترقب وإهتمام نتيجة التعنت والصلف الأثيوبى فى إدارة الأزمة ومحاولات أديس أبابا المستمينة على جرجرة مصر للدخول فى حرب هى تعلم مسبقا أنها لن تحسم لصالحها .
هذا الأسبوع تلقى الدكتور محمد عبدالعاطي ، وزير الموارد المائية والري المصري ، خطاباً رسمياً من نظيره الإثيوبي ” سيليشي بيكيلي ” يفيد ببدء عملية الملء الثاني لخزان سد النهضة . وردت مصر على الخطوة الإثيوبية بخطاب رسمي تبلغ فيه الجانب الأثيوبى رفض القاهرة القاطع لهذا الإجراء الأحادي ، الذي يعد “خرقاً صريحاً وخطيراً لإتفاق إعلان المبادئ الموقع في 2015 بين الدول الثلاث” .
وأكد بيان وزارة الري المصرية ، أن هذا الإجراء يعد إنتهاكاً للقوانين والأعراف الدولية التي تحكم المشروعات المقامة على الأحواض المشتركة للأنهار الدولية ، بما فيها نهر النيل الذي تنظم إستغلال موارده إتفاقيات ومواثيق تلزم إثيوبيا بإحترام حقوق مصر ومصالحها المائية وتمنع الإضرار بها . وزارة الخارجية المصرية بدورها أعلنت عن إرسال الخطاب الإثيوبي ، إلى رئيس مجلس الأمن بالأمم المتحدة لإحاطة المجلس ، “بهذا التطور الخطير” .
أثيوبيا المتعنتة تتمسك بمايسمى ب ” إعلان المبادىء ” الذى وقعت عليه مصر بحسن نيه ويبدو أن النوايا الحسنة لاتصلح فى زمن فسدت فيه الأخلاق والنوايا ، وكلما حاولت مصر تدويل القضية ، تمسكت أثيوبيا بإعلان المبادىء على الرغم من أنها غير ملتزمة بماورد فى البند الخامس الذى ينص على ” ضرورة التعاون فى ملئ وإداره السد ” وهو مالم تنفذه أثيوبيا .
الحقيقة أن تمسك ” أديس أبابا ” بالملء الثاني لـ خزان سد النهضة بـ 13.5 مليار متر مكعب من المياه ، يمثل تهديدا لـ ” أمن مصر المائى ” . ومن هذا المنطلق بدأت الـ Social Media وشبكات التواصل الإجتماعى ولجان الإخوان الألكترونية تدق طبول الحرب وتؤكد على أن الحل العسكرى أصبح ضرورة ملحة لحل أزمة السد .. إلخ
وكما ذكرت سابقا أنه لا أحد يكسب فى الحرب فالجميع فى الحرب خسران ، لأن للحرب ضحاياها من المدنيين والعسكرين ، إضافة إلى أضرارها الوخيمة على الإقتصاد والتنمية .. إلخ . والحقيقة أننا نثق فى قيادتنا السياسية ثقه لاحدود لها ، ومصر كما أعلنت مرارا وتكرارا على لسان قائدها فى أكثر من مناسبة أن إمتلاكها للقوة يأتى من رغبتها فى تحقيق السلام ، وهى ليست من دعاة الحروب أو الصراعات أو النزاعات ولم تكن الحرب أبدا غايتها ، ولكن إذا فرض عليها القتال دفاعا عن حقوقها ومكتسبات شعبها فهى أهل له ، كما أن دروس التاريخ تؤكد للقاصى والدانى أن مصر رغم صبرها لايمكن لها أن تفرط فى حق من حقوقها .
ومن هذا المنطلق وعلى أرض الواقع فإن مصر تملك قدرات عسكرية غير محدودة والجيش المصرى وفقًا لموقع ” جلوبال فاير باور ” ظل طوال الـ 15 عاما الماضية في قائمة أقوى 25 جيشًا على مستوى العالم وقائمة أقوى 15 جيشًا على مستوى العالم 8 مرات ، وقائمة أقوى 10 جيوش عالميًا مرتين . وفى عام 2020 احتل الجيش المصرى المركز ” التاسع ” على مستوى العالم . ولاعجب فى ذلك لأن مصر نوعت من مصادر السلاح وأدخلت الميسترال والغواصات والبوارج وطائرات الرافال .. وغيرها ، وطورت من قدراتها القتالية وإفتتحت العديد من القواعد العسكرية والبحرية . ولمصر إتفاقيات وقواعد عسكرية مع عدد من الدول الأفريقية فى ” السودان شماله وجنوبه وفى كينيا وأوغتدا والصومال وجيبوتى وإريتريا ” بما يشكل ” طوقا ” من القواعد العسكرية حول إثيوبيا كركيزة أساسية لحماية أمنها القومى ،
وعلى الجانب الآخر ، هناك مصالح ” روسية وصينية وأمريكية ” فى أثيوبيا وهى تقوى بها بل وتحاول من خلالها أن تغطى على خلافاتها وأزماتها الداخلية بالتعنت والصلف فى محاولة لـ إستنهاض المجتمع الأثيوبى ، وهناك إستثمارات لكل من ” السعودية والإمارات ” إلى جانب تركيا التى تستثمر أكثر من 2.5 مليار دولار فى أثيوبيا ، ووفقا لموقع ” ميديم ” فإن أثيوبيا أقامت نظام الدفاع الجوى ” Spyder _ MR ” الإسرائيلى متوسط المدى قرب سد النهضة وهو النظام الذى يتم توجيهه بواسطة رادار ” إلتا ” مما يجعله فاعلا ضد الطائرات التى تحلق على إرتفاعات منخفضة ومتوسطة ، ولاشك أن مصر تعلم تماما أنها لاتنساق وراء من يجاول أن يجرها إلى الحرب لانها تعى جيدا وتعلم كيف ومتى تعلن قرار الحرب .
ومصر على يقين تام منذ زمن أن الحروب القادمة هى حروب مياه وخاصة فى مايتعلق بالأنهار الدولية التى تمر على أكثر من دولة ، ومن هذا المنطلق وحتى لانقع فى منطقة الفقر المائى بدأت مصر مبكرا إرسال البعثات إلى الصين لدراسة مشاريع تحلية مياه البحر وإستخدمت تقنيات إعادة تدوير المياه فى محطات الصرف الصحى ودعمت منظومة الرى بأساليب الرى الحديثة وقامت بتبطين الترع والمصارف لتقليل الفاقد من المياه إلى جانب إستغلال المياه الجوفية وإبتكار تقنيات حديثة لترشيد المياه .. إلخ ، وأعتقد أن القيادة المصرية تخطط لمشاريع أخرى مع عدد من دول القارة الأفريقية لـ إيجاد بدائل لتعويض الفاقد من مياه النيل التى تصل إلى دولتى المصب ” مصر والسودان ” .
لسنا دعاة حرب ولكننا دعاة سلام ، نصبر ، ولانفرط فى حق من حقوقنا ، نثق فى قيادتنا السياسية التى تعرف كيف ومتى تتخذ قرار الحرب ، جند مصر خير أجناد الأرض ، أهل مصر فى رباط إلى يوم الدين ، إتهدوا وإهداوا ، فو الله الذى لا إلله إلا هو لن تضيع مصر أبدا طالما أن عين الله ترعاها .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.