اللواء سمير فرج يكتب : الردع

اللواء دكتور سمير فرج
الردع … هو أحد المصطلحات العسكرية الهامة في العلوم الاستراتيجية، سواء كان ذلك في العقيدة العسكرية الغربية التي تنتهجها دول حلف الناتو، كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإنجلترا وألمانيا وغيرهم، أو دول حلف وارسو، وعلى رأسها روسيا، المعروفة، سابقاً، بالاتحاد السوفيتي.
يعرف الردع بصفة عامة بأنه إجراء عسكري، يشمل تجميع الأسلحة، بهدف منع العدو أو الخصم من القيام، أو حتى مجرد التفكير، بعمل عدائي ضد الدولة، وتقسم هذه العقائد الردع، “Deterrence”، إلى نوعين؛ “الردع النووي”، أو “الردع التقليدي”، الذي تستخدم فيه الأسلحة والمعدات الحربية التقليدية، بينما يقوم فكر الردع النووي على أساس امتلاك الدولة للأسلحة النووية، وبالتالي قدرتها على توجيه ضربة نووية إلى الدول الأخرى، وما يتبعه من التزام تلك الدول الأخرى بعدم التهديد بالقيام بأي عمل عدائي.
من المعلوم أن عدد الدول المالكة للسلاح النووي، حالياً، 9 دول، وهم الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإنجلترا وفرنسا والصين والهند وباكستان وإسرائيل وكوريا الشمالية، بينما تغيب ثلاث دول كبرى عن ذلك “النادي النووي”، وهم ألمانيا وإيطاليا واليابان، الذين كانوا ضمن دول المحور المهزوم في الحرب العالمية الثانية، وما فرضته عليهم تلك الهزيمة، حينها، من حظر امتلاك السلاح النووي. ولقد سمح العالم، منذ عده سنوات لباكستان بامتلاك السلاح النووي، بعدما حصلت عدوتها اللدود، الهند، على القنبلة النووية. وقد أشيع، حينها، أن الدول الإسلامية ساعدت باكستان، في ذلك الوقت، على تملك هذا السلاح النووي، مما دعا الغرب، لإطلاق اسم “القنبلة الإسلامية” على باكستان، حتى أن القوى العالمية فرضت عليها، وألزمتها، بألا تعطي أسرار تلك القنبلة لأي دولة إسلامية، ممن ساعدوها، وكان يقصد بها، على الأغلب ليبيا، في عهد رئيسها الراحل معمر القذافي. وبهذا أصبحت الدولة المالكة للقنبلة النووية، تمتلك سلاح “ردع نووي”، يحيد قدرات الدول الأخرى عن تهديدها
أما الردع التقليدي، Conventional Deterrence، فيقصد به، كما ذكرنا، امتلاك دولة ما لأسلحة تقليدية، غير نووية، تجعلها قادرة على منع أي دولة أخرى من القيام بأي عمليات عدائية ضدها. ويقسم الردع التقليدي إلى نوعين؛ وهما “الردع المعنوي” و”الردع المادي”. ويقصد بالردع المعنوي امتلاك الدولة لأسلحة ومعدات حربية، لا تخفى على العيان، بما يمنع أي دولة من التفكير في تهديد أمنها القومي، وأقرب أمثلة الردع المعنوي، هو ما قام به الرئيس السيسي بعد توليه المسؤولية، بدعم ورفع كفاءة القوات المسلحة المصرية، حتى أصبحت في المركز التاسع عالمياً، بصورة إجمالية، بينما تحتل قواتنا البحرية المركز السادس عالمياً، وهو ما مثّل خط أحمر أمام أي دولة، في المنطقة، يتهيأ لإدارتها فكرة التحرش بالأهداف الاقتصادية المصرية، سواء في البحر الأحمر، أو الأبيض المتوسط.
كما تم تكوين أسطول بحري شمالي في البحر المتوسط، وآخر جنوبي في البحر الأحمر، كما تم تأسيس “قاعدة برنيس البحرية”. ولعل أبسط مثال على ذلك، هو قيام إسرائيل بالاستيلاء على البلوك رقم 9، داخل المياه اللبنانية، واستغلال حقل الغاز الطبيعي به، بل وتصدير إنتاجه إلى الخارج، في ظل عجز لبنان عن التصرف، لعدم قدرة قواتها العسكرية على التصدي لإسرائيل، واضطرت للجوء للولايات المتحدة الأمريكية للضغط على إسرائيل، لإيجاد سبيل للحصول على حقوقها من حقول الغاز الواقعة داخل مياها الاقتصادية. وبذلك يتضح أن وجود القوات المسلحة المصرية القادرة على تأمين حدودها واستثماراتها هو ردع معنوي لكل من تسول له نفسه تهديد الأمن القومي المصري، سواء بالتحرش بالأهداف الاقتصادية المتمثلة في حقول الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، أو بتهديد الملاحة في البحر الأحمر، وما له من تأثير على قناة السويس، التي تمثل ثلث الدخل القومي لمصر.
ومما سبق، يأتي الرد، جلياً، على كل الصيحات التي تعالت، في وقت ما، بالسؤال عن أسباب شراء مصر لمقاتلات الرافال الفرنسية، أو حاملات المروحيات المسيترال، أو الفرقاطات، والغواصات الحديثة، وغيرها من المعدات الحربية، بأن تلك الصفقات تعتبر أحد أهم وسائل الردع المعنوي لكل من تسول له نفسه العبث بالأمن القومي المصري أو أهداف مصر الاقتصادية، فضلاً عما تمثله من رفع كفاءة القوات المسلحة المصرية.
أما “الردع المادي”، فيكون من خلال القيام بعمل عسكري، مباشر، ضد أي تهديد للدولة المصرية، ومن أمثلته الرد المصري على قيام بعض العناصر الإرهابية، داخل ليبيا، بقتل 20 مواطن مصري، إذ اجتمع مجلس الأمن القومي المصري، على الفور، برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقرر توجيه ضربة عسكرية، مباشرة، لتلك العناصر. ولم يسطع نهار اليوم التالي، إلا وكانت القوات المسلحة المصرية قد نفذت هذه الضربة القوية، ضد هذه العناصر الإرهابية، داخل الأراضي الليبية، وتم القضاء عليها تماماً، وبعدها لم تجرؤ أي جماعات إرهابية، داخل ليبيا، على التعرض لأي مصري هناك، في تطبيق عملي لمبدأ “الردع المادي”.
واليوم نشهد أن دعم القوات المسلحة المصرية، بالأسلحة والمعدات المتطورة، هو تأكيد لسياسة الردع التي تتبعها كل دول العالم، وليس مصر فقط، لتأمين حدودها واستثماراتها وثرواتها ومقدرات شعبها. فمصر، لم تكن، ولن تكون، يوماً، دولة معادية، ولا تستخدم قواتها المسلحة، رغم كفاءتها، في مهاجمة أي دولة أخرى أو الاعتداء على سيادتها، وإنما هدفها من وجود القوة العسكرية هو تأمين استثماراتها، والحفاظ على أمن وكرامة مواطنيها.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.