اللواء دكتور سمير فرج يكتب : ذكريات العيد

اللواء دكتور سمير فرج
مع أول أيام عيد الفطر المبارك، أعاده الله علينا جميعاً بالخير والبركات، أجدني استدعي شريط طويل من الذكريات، بعضها سعيدة، والبعض الآخر دون ذلك. وكحال الكثير منا، فإن أسعد ذكريات العيد، تكون تلك التي عشناها في الطفولة، وفي حالتي، أضفت مدينتي الحبيبة بورسعيد، سعادة إضافية لتلك الذكريات، خاصة في أيام الأعياد وما يسبقها من تحضيرات.
فقبيل عيد الفطر، بنحو عشرة أيام، تجتمع أمي الحبيبة، رحمة الله عليها، ومعها الجيران والأصدقاء، لعمل الكحك والبسكويت، بينما نجلس نحن الأطفال حولهم لمتابعة حركة أياديهم المنتظمة، ولحمل الصاجات إلى الفرن القريب، وانتظار خروجها لتذوقها جميعاً. وفي مساء ليلة العيد نهتم بترتيب، وتجهيز ملابسنا الجديدة، ونُنهي تلك الليلة بحمام العيد، استعداداً لاستقبال الضيف الغالي. وفي صباح يوم العيد نرتدي ملابسنا الجديدة، ونبكر مع والدي، رحمه الله، إلى مسجد لطفي للاستماع إلى تكبيرات العيد، حتى يحين موعد الصلاة. وما أن نفرغ منها، حتى ننطلق لفناء المسجد لتبادل التهاني. وكعادة الكثير من المصريين، وأهالي بورسعيد، نتوجه، بعد الصلاة، لزيارة المدافن بصحبة معظم أفراد الأسرة، لزيارة الأجداد، وقراءة الفاتحة لأرواحهم، قبل أن نبدأ تبادل زيارات الأهل والأصدقاء، وتلقي العيدية، التي كنا نحلم بها كل عام، ونخطط لصرفها، قبل استلامها، في ركوب الخيل على شاطئ بورسعيد، ثم دخول السينما لمشاهدة أفلام العيد.
كانت تلك الذكريات السعيدة، في الطفولة، ولكن بعدما تخرجت في الكلية الحربية، سافرت للمشاركة في حرب اليمن، وتكونت لدي نوعية مختلفة من الذكريات، بدءاً من تحديد أول أيام العيد، الذي كان كثيراً ما يختلف بين مصر وشبه الجزيرة العربية، وفقاً لرؤية الهلال، فكنت احتفل بقلبي مع مصر، وبجسدي في اليمن، وكنت أصلي مع جنودي فوق جبال اليمن الشاهقة، على صوت تكبيرات العيد في مصر، التي نلتقطها على راديو صغير، لا يفارقنا. خلال هذه السنوات نسينا فرحة العيد، في مصر ولمة الأحباب، ونسينا كحك العيد، ونسينا معايدات الأهل والأصدقاء، والذهاب إلى السينما أو إلى حارة العيد في بورسعيد.
وبعد ثلاث سنوات فوق جبال اليمن وبين سفوحها، عدنا إلى مصر للاشتراك في حرب 67، وما تلاها من سنوات حرب الاستنزاف، لمدة 6 سنوات، قضيناها في الخنادق على جبهة قناة السويس، فكنا نصلي العيد، في الموقع، خلف ردم القناة، على صوت تكبيرات راديو القاهرة، بينما أجزاء من القوة تحفر الخندق، لعلمنا بأن العدو الإسرائيلي يستهدف الاشتباك في أوقات إفطار رمضان أو مواقيت صلاة العيد، والصلوات اليومية، فكنا نصلي، وبجانب كل منا سلاحه. ومرة أخرى ضاعت مظاهر العيد التي اعتدنا عليها، إلا من كحك أمي، رحمها الله، التي كانت تحرص على إرساله لي من بورسعيد، ما دمت في مصر. ولقد كان ذلك أحد الأسباب وراء تأسيسي لتقليد جديد، عندما توليت إدارة الشئون المعنوية، بإرسال علب الكحك لجميع الجنود الموجودين على خط الحدود المصرية، في كل الاتجاهات، لأؤكد لهم أن قواتهم المسلحة تقدر جهودهم في تأمين مصر وأهلها.
عادت الأعياد تغزل ذكريات، جديدة، سعيدة، تضيفها لمخزون ذكريات الطفولة، كان أجملها في أكتوبر 1973، بعدما حققنا النصر المجيد، وعبرنا القناة، ودمرنا خط بارليف، وصلى بعدها أكثر من ربع مليون جندي وضابط، صلاة العيد، لأول مرة، فوق رمال سيناء الطاهرة، بينما كنت أنا أصلي بمركز القيادة الرئيسي، للقوات المسلحة، في غرفة صغيرة، تحت الأرض، مع المشير أحمد إسماعيل، والفريق الشاذلي، والمشير الجمسي، رحمة الله عليهم جميعاً، وكل ضباط العمليات، فكان ذلك أجمل أعياد حياتي، فرحة عيد الفطر وفرحة تحرير الأرض.
بعدها بعامين، ابتعثت للدراسة في إنجلترا، لمدة عامين، لم أشعر خلالهما بفرحة الأعياد، في ظل غياب جميع مظاهرها، ولما عدت إلى مصر، كنت حريصاً على قضاء الأعياد في بورسعيد، مع أبي وأمي، بصحبة أسرتي الصغيرة، لأعلم أولادي طقوسه، رغم تغير التنزهات والفسح مع تطور الزمن، إلا أن ما لم يتغير، حينها، كان مذاق كحك أمي وبسكويت جوز الهند المتميز. ولما أصبحت مديراً للشئون المعنوية، تغيرت طقوس العيد وعاداتي فيه، إذ اقتضى واجبي أن أصلي العيد، في مكان مختلف، في كل عيد، بقيادات الجيوش الميدانية، ثم أصاحب، بعدها، المشير طنطاوي، وزير الدفاع حينها، لزيارة المرضى في المستشفيات، ثم استقبال أسر الشهداء ومصابي الحرب، فتكونت لدي ذكريات جديدة عن الأعياد.
ومع تولي منصب محافظ الأقصر، لمدة 7 سنوات، اتبعت عادات جديدة، طوال تلك المدة، وحملت ذكرياتها معي، إلى يومنا هذا، فكنت أبدأ الأعياد بالصلاة في ساحة جامع أبو الحجاج، ثم أمر على المستشفيات لأطمئن على من فيها، ثم أزور الأطفال بدور اليتامى في محاولة لإدخال البهجة والسرور على قلوبهم، وبعد ذلك استقبل المواطنين وممثلي العائلات لتبادل المعايدة، والمشاركة في الاحتفالات الشعبية للمحافظة، ثم يبقى اليوم الأخير، من العيد، فأعود فيه للقاهرة، لأقضيه مع أسرتي الصغيرة.
ورغم تباين الذكريات التي حملتها معي من أيام الأعياد، واختلاف مذاقها، وفقاً لظروفها الزمنية والمكانية، إلا أنها تظل كلها أيام بركة وفضل من الله، أدعوه أن يعيدها علينا، وعلى بلدنا الغالية، دوماً ونحن في أمن وسلام ورفعة.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.