ابراهيم نصر يكتب : أولها بدر وآخرها العبور العظيم

عرف المسلمون على مدى تاريخهم الطويل أن شهر رمضان المعظم المبارك هو شهر الانتصار على النفس وشهواتها، وعلى شياطين الإنس والجن، وكذلك الانتصار على أعدائهم، فقد انتصر المسلمون ثمانية انتصارات حربية كبرى فى هذا الشهر الكريم، وسوف أكتفى بذكر نبذة مختصرة عن أولها فى عصر النبوة، وآخرها فى العصر الحديث، وكان بينهما ستة انتصارات أخرى عظيمة، لا يتسع مقالى هذا لذكرها جميعا.
فبعد يومين من الآن نحتفل بذكرى انتصار المسلمين على الكافرين، فى موقعة أو غزوة بدر الكبرى، إذ أن الحروب آنئذ كانت تسمى بالغزوة أو الموقعة أو الفتح، وقد حدث هذا النصر الأول فى تاريخ الإسلام يوم الجمعة السابع عشر من رمضان، في السنة الثانية من الهجرة النبوية الشريفة، تلك الموقعة الفاصلة في تاريخ الإسلام والمسلمين، بل في تاريخ البشرية كلها إلى يوم الدين، إنها معركة الفرقان، قال تعالى فى سورة الأنفال: “إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”.
ولم تكن هذه الغزوة للاعتداء والظلم، كما تفعل الدول الباغية الظالمة المستكبرة في الأرض، بل كانت وسيلة لدفع العدوان، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله – سبحانه وتعالى – فى سورة الحج: “أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ”.
أضفْ إلى ذلك ما أصاب المسلمين من الظلم والاعتداء، وما أُكرِهوا عليه من الإخراج من الديار والأوطان بغير حق، يقول الله – سبحانه وتعالى – فى سورة النساء: “وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً”، وتلبية للنداء الرباني، وسعيا للقضاء على الظلم بأنواعه، خرج الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم – ومعه ثلاثمائة وأربعة عشر رجلا، فالتقى الجيشان في منطقة “بدر” بين مكة والمدينة، “إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا * لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ” (الأنفال: 42 – 43).
وعندما بدأت المعركة، واشتد وطيسها، واشتعلت نارها، أيّد الله – سبحانه وتعالى – أهلَ الحق بملائكة السماء،” إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ” (الأنفال: 9)، بل قاتلت الملائكة مع المؤمنين، “إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ” (الأنفال: 12)، إنها لم تكن بطولة أرضيةً محضة، بل هي مؤيدة من قبل الله – جل وعلا – تستمد قوتها من خلال دعائه، والاستغاثة به، واللجوء إليه، والتوكل عليه، فيمد أصحابَها بتأييده ونصره، قال – تعالى -: “إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ” (محمد: 7).
وهذا ما حدث أيضا فى معركة العبور العظيم في حرب العاشر من شهر رمضان المبارك سنة 1393 هـ السادس من أكتوبر سنة 1973 م، حيث انتصر جنود الحق المصريبن على المحتلين الإسرائيليين، وارتفعت رايات الحق عالية خفاقة، بفضل صيحة النصر” الله أكبر” التى رددها جنودنا البواسل أثناء عبور قناة السويس، وتحطيمهم خط بارليف الحصين فى معركة أدهشت العالم، وما زالت تدرس فى الأكاديميات العسكرية العالمية، ولا تفسير لهذا النصر إلا أنه كان من عند الله القوى العزيز.
Ibrahim.nssr@gmail.com
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.