الدكتورة سامية خضر تكتب : المنظومة الدرامية وشرايين العنف والعري

د. سامية خضر
إن نشر العنف في وسائل الإعلام المصري يسهل للبعض عمليات المحاكاة كما في الثقافة الغربية وإن ظاهرة العنف لها مصادر عديدة حيث يلعب الاستهلاك الترفي والفراغ الثقافي والتفاوت في مصروف الأيدي للأبناء والملل وغياب القدوة والرمز المعنوي ورفاق السوء في المدارس والجامعات وداخل مؤسسات العمل الدور الكبير في نشر العنف، ولا شك أنه قد تلاحظ في الآونة الأخيرة هناك جرائم غريبة على المجتمع المصري رفعت سقف الغضب الممزوج بالدهشة حيث تعددت الأسباب والنتيجة واحدة وارتفع معدل الجريمة الأسرية في مصر إلى نسبة 20%.
أن معظم تلك الجرائم تتم بين الشباب أي بأيدي الشباب وهي 15 جريمة قتل، وثلاث حالات انتحار في ثلاث أيام فهل فعلاً بتلك الظواهر الغريبة والعديدة أن مصر تدخل في محيط الانسداد القديمي، وهل أن العولمة ومواقع التواصل الاجتماعي والإباحية هي الأكثر تأثيراً على المجتمع المصري بكل فنونه، وعلى ثقافة دولة هي من أكثر الدول وأقدم الحضارات على وجه الأرض إنها مصر.
ويخطئ من يتصور أن الفن مجرد تسلية وأن برامج التليفزيون المصري مجرد ضياع لوقت المشاهد، والحقيقة أنه نشاط فني وثقافي واجتماعي وسياسي، ولا يخص فقط المائة مليون مصري بل العالم العربي كله.
حقاً إن مصر تحتل المركز الرابع عشر بالترتيب العالمي لتعداد السكان والأولى عربياً والثالثة إفريقيا، ويعتبر النمو السكاني في مصر من أعلى المعدلات بين دول العالم، نتيجة ارتفاع معدلات المواليد الناتج عن معدلات الخصوبة المرتفعة مقارنة بانخفاض معدلات الوفيات وهو ما أدى إلى وجود هرم سكاني ذو قاعدة عريضة من السكان أقل من سن العمل وهو أيضاً ما يمثل عبئا على المجتمع إضافة إلى فئة كبار السن. ورغم أن رئيس جهاز الإحصاء المصري قد أعلن مراراً بضرورة مواجهة الزيادة السكانية في مصر لأن لها دور في نشر العنف، فلم تتحرك الدراما المصرية للمساهمة في علاج تلك المشكلة، عكس ما كان يحدث في الستينات، فعندما أعلن عبد الناصر في إحدى خطبه حنبقى “4٠ مليون” سارعت السينما المصرية فكانت أم العروسة للكاتب عبد الحميد جودة السحار وتوالت عدد من الأفلام مثال الحفيد وأفواه وأرانب وفي إحدى اللقطات سأل أحد الشباب في أحد المشاهد لماذا تؤكد لعروستك لا إنجاب إلا بعد سنتين كانت الإجابة من العريس والذي كان يقوم بالدور “نور الشريف” إنه توجه دولة، وكان الفن بكل فروعه يدعم ميثاق ثورة يوليو.
والحقيقة أن الفن في تلك الفترة لم يكن أقل من انضباط الجيش والشرطة لحماية مواثيق الدولة وانتقالها من نظام إلى آخر.
وعلى ذلك الأساس علينا أن نتوقف لنسأل أنفسنا السؤال الذي أطلقه المفكر والكاتب العظيم جلال أمين بعنوان: “ماذا حدث للمصريين” وقد أكد كثير من الكتاب أهمية الفن المصري للعالم العربي كله لتوثيق التغيرات التي أثرت وتأثرت به مثال “جميلة بو حريد” البطلة الجزائرية والتي قامت الفنانة ماجدة الصباحي بذلك الدور الصعب والتي رسخت لدى العالم العربي كله الصورة الذهنية للاستعمار الفرنسي ووحشيته.
هذه الصورة الذهنية وتأثيرها على الاستقرار المجتمعي وبث روح البطولة وارتباطها بالمشاعر وميل الجمهور للاقتراب منها هي تربية وطنية، وهل ننسى أن الفنان إسماعيل ياسين قد قام بأكثر من فيلم تحت مسميات مختلفة لرجال قواتنا المسلحة سواء إسماعيل ياسين في الطيران والبحرية وفي البوليس وغيرها وبالتأكيد كلنا يعلم أن الشباب في مصر يمثلون 60% من السكان ومن خصائص الشباب الملاحظة والتقليد ونردد السؤال: لماذا الإصرار من كاتبي الدراما بضرورة إحداث فجوة في القيم والآداب والأخلاق بصورة ذلك المجتمع وإنه من خلال التعلم والتقليد ومن يستطيع أن يغفل فيلم “جعلوني مجرماً” والأرض، وليالي الحلمية والباب المفتوح والأستاذة فاطمة
أما الآن هناك صراع الشر مع عنف مع قسوة. وتقوم بعض مقدمات البرامج بعرض السيقان أو الأكتاف العارية وهن أصلاً لسن مذيعات، وإن الشر والغدر والخيانات والعري بل قتل ودم أو رذيلة بمنتهى الجرأة.
إن التعرض لتلك النماذج قد تؤدي أحياناً لتقليدها ولا يمكن تجاوز المناخ الثقافي والاجتماعي والأسري لشعب نصفه يعيش في الريف، ولايمكن أن تتوقف الدولة عند دراما الممر أو الاختيار ودون أن تضع خطوطا حمراء لما تسببة الدراما و الفن المغموس في العري والخيانة والدم، ولن ننسي التصفيق الذي نالة فنانو الأوبريت في عيد الشرطة الأخير بحضور الرئيس السيسي .. فهل من مجيب؟.
ولماذا لا يعاد ذلك الحفل الرائع أكثر من مرة؟.
بقلم : أ. د. سامية خضر صالح
استاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.