إبراهيم نصر يكتب : .. والزواج الشفوى ينعقد

المؤيدون للرأى القائل بعدم وقوع الطلاق الشفوى بالمخالفة لرأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، يتحدثون عن ضرورة توثيق الطلاق حتى يقع، كالزواج الذى استقر الرأى على ضرورة توثيقه، متغافلين عن حقيقة ثابتة، وهى أن الزواج كما الطلاق يتحقق أولا شفويا، وتثبت العلاقة الشرعية بصيغة العقد الشفوى، وينعقد به الميثاق الغليظ، الذى ذكره الله تعالى فى سورة النساء الآية ٢١: “وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا”، وفى آية أخرى يصف الله هذه العلاقة السامية بالآية التى هى المعجزة، قال تعالى فى سورة الروم آية ٢١: “وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”، فقد جعل الله سبحانه وتعالى في هذا الزواج السكينة، والاطمئنان، والمحبة، والمودة، والاستقرار، والأمان،
علاوة على ذلك كله افتتح الله سبحانه وتعالى حديثه عن الزواج بقوله: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً..”، وهو تشبيهٌ بليغ، حيث وصف الله تعالى طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة على أنهما جسمان في روح واحدة، وهذا يجعل الرابطة الزوجية مقدسة، لا تماثلها أية رابطة أخرى بين أي اثنين، وهى كانت ومازالت تنعقد شفويا
أولا بدليل أنه لا يتم عقد الزواج الآن بالتوثيق فقط، وإنما الصيغة الشفوىة التى تتضمن الإيجاب والقبول بصيغة صريحة ما زالت معتبرة، وهى من أركان عقد الزواج عند الأئمة الأربعة، ثم يأتى التوثيق بعد ذلك لضمان الحقوق، وإنما عقد الزواج الشرعى قد حصل بالمشافهة، وإلا كيف يدخل الزوج بزوجته وهو لم يحصل بعد على وثيقة الزواج، وربما يسافر الزوجان لمدة تطول أو تقصر ويمارسان حياتهما الزوجية كاملة بالعقد الشفوى،
ولم يقل أحد بأنه لا يجوز دخول الرجل بزوجته إلا بعد الحصول على قسيمة الزواج الموثقة، ولا يجرؤ أحد على القول بأن مدة العلاقة السابقة على استخراج القسيمة علاقة محرمة، وإلا صارت كل العلاقات الزوجية الآن تبدأ بعلاقة محرمة حيث يتأخر صدور قسيمة الزواج لأسبوع أو أكثر ويحدث الدخول قبل ذلك.
فالزواج يا سادة قد حصل بأركانه الشرعية التى حرصت الشريعة الإسلامية عليها ولا ينعقد العقد ولا يتم إلا إن تمت صحيحة، وقد اختلف الفقهاء في أركان عقد الزواج على قولين: أولهما أن عقد الزواج له ركن واحد، وهو رأي الحنفيّة، أمّا القول الثاني فهو أن لعقد الزواج خمسة أركان، وقد ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء، وصيغة العقد الشفوى هي الركن المتفق عليه بين فقهاء المذاهب الأربعة: أبي حنيفة، ومالكٍ، والشافعى، وأحمد، وهو الركن الوحيد عند الحنفية، إذ دون الصيغة الشفوية لا ينعقد الزواج ولا يتم.
وكذلك الطلاق سواء بسواء يقع شفويا أولا ثم يتم توثيقه لحفظ الحقوق وما يترتب عليه من أحكام شرعية تتعلق بالميراث وخلو الزوجة من مانع الزواج برجل آخر، وغير ذلك من الأحكام المترتبة على وقوع الطلاق وانقضاء العدة فى الطلاق الرجعى الذى تجوز فيه مراجعة الزوج زوجته قبل انقضاء العدة بلا مهر أو عقد جديدين، وذلك فى الطلقتين الأولى والثانية فقط.
وفى مذهب أهل السنة، لابد من الإشهاد على عقد الزواج، وكذلك الإشهاد على الطلاق الشفوى، وعلى الرجعة الناتجة عن هذا الطلاق، باعتبار أن الإشهاد ضرورة لا بد منها.
وأخيرا: بالله عليكم لو تم العقد بصيغته الشفوية والولى والشهود والإشهار وتسمية الصداق، وحدث خلاف بين الزوجين أو العائلتين ترتب عليه عدم إتمام التوثيق، هل يشك أحد فى أن الزواج قد حصل شرعا، ولا يجوز لهذه الزوجة الزواج بآخر، إلا إذا طلقها زوجها شفويا وأشهد على ذلك الطلاق، فكما وقع الزواج شفويا فيقع الطلاق شفويا، وإلا كيف سيتم توثيق الطلاق، ولم يتم توثيق الزواج أصلا.
Ibrahim.nssr@gmail.com
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.