حماية الكنائس فى الإسلام

بقلم : إبراهيم نصر

مع كل عام ميلادى جديد، تطل علينا بعض الفتاوى المتشددة وإن شئت قل المتطرفة، يروج لها أناس أقل ما يصفون به هو الجهل، وأنا دائما أقول: لا يأتى تطرف إلا من قلة علم، والعلم الناقص يكون أشد خطرا على صاحبه من الجهل.

هؤلاء ينقلون إلينا من الماضى السحيق فتاوى صدرت فى ظروف معينة وأحوال لا تتفق وواقعنا المعاصر، ويريدون إخضاع عقولنا لها، وإلا يرموننا بمخالفة تعاليم الإسلام الحنيف، وربما كفرونا وأخرجونا عن ملة الإسلام لمخالفتنا هذه الفتاوى القديمة التى تخطاها الزمن، ولا تناسب أوضاعنا الحالية ولا طبيعة الحياة المعاصرة التى نحياها كمسلمين مع إخوة لنا فى الإنسانية وفى الوطن.. لهم ما لنا وعليهم ما علينا، ولم يحاربونا فى الدين ولم يخرجونا من ديارنا، والله يقول فى محكم التنزيل: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)} [الممتحنة]

هؤلاء النقلة بغير وعى ولا فقه، يريدون منع تهنئة الأقباط المصريين بأعيادهم – كل حسب طائفته -، ويحرمون ذلك تحريما قاطعا .. بل يتهمون العلماء الأفاضل الذين يفعلون ذلك بأنهم علماء السلطان، أو أنهم على الأقل يخالفون تلك الفتاوى القديمة.

وفى هذا الصدد، بادرت وزارة الأوقاف بقيادة الوزير الهمام العالم المحترم الدكتور محمد مختار جمعة يإصدار “موسوعة المستجدات وتصحيح المفاهيم الخاطئة”، وتتضمن سلسلة من الكتب يصدرها المجلس الأعلى للشئون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف، ومن بينها كتاب “حماية الكنائس فى الإسلام” الذى قام على تأليفه نخبة متميزة من علماء الأزهر الشريف، وقدم له فضيلة الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، وفضيلة الدكتور محمد شوقى علام مفتى الجمهورية، وإيمانا من جريدة “عقيدتى” بضرورة الإسهام فى نشر الفكر الوسطى المعتدل، فإنها تقدم للقارئ العزيز فى عددها الورقى الصادر يوم الثلاثاء الماضى ٣١ ديسمبر عرضا وتلخيصا لهذا الكتاب.

الكتاب يمثل خطوة مهمة وخطيرة على طريق تجديد الخطاب الدينى، فى المشوار الطويل الذى بدأته وزارة الأوقاف، منذ دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى للعمل على إيجاد خطاب دينى يراعى مستجدات العصر، وتغير الزمان والمكان والظروف والأحوال، وكذلك طبيعة المتلقين، ليس فى مصر وحدها، ولا على مستوى العالم الإسلامى، وإنما يراعى المستجدات الدولية على وجه العموم.

ومن ثمَّ تأتي أهمية هذا الكتاب الذي يظهر الجوانب المشرقة في الدين الإسلامي الذي يفيض تسامحًا ورقيًّا مع مخالفه ومع أهل الكتاب على وجه الخصوص، فسمح لهم بممارسة طقوس أديانهم في دور عبادتهم، وضمن لهم من أجل ذلك سلامة دور العبادة، فحرَّم الاعتداء عليها بكافة أشكاله، وعلى ذلك سار المسلمون سلفًا وخلفًا عبر تاريخهم المشرف وحضارتهم النقية وأخلاقهم النبيلة السمحة التي دخلوا بها قلوب الناس قبل أن يدخلوا بلدانهم.

وقبل ذلك وبعده، تكفينا الفتوى العملية التى يصدرها قيادات المؤسسة الدينية كل عام بزيارة الكاتدرائية بالعباسية لتهنئة بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، وأشقاء الوطن من الإخوة الأقباط بعيد الميلاد المجيد، وقديما قالوا: “حال رجل فى ألف رجل .. خير من وعظ ألف لرجل”.

Ibrahim.nssr@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.