جيهان عبد الرحمن تكتب : تلوث لغوي !

ذكرتني صديقتي في حوار قريب معها حول عمق اللغة العربية وجمالها إلي تلك الأبيات الرائعات التي ألفها أبو العلاء المعري في قصيدة ” ضجعة الموت رقدة” والتي كان مقرر علينا بعض أبياتها في مناهج اللغة العربية بالمرحلة الثانوية, حول فلسفة وفكرة الموت وعلاقتها بأديم الأرض هو التراب الذي نسير عليه والتي تأثر فيها أبو العلاء بفكر المتنبي من أن كل ما نسير عليه هو بقية من رفات الأقدمين حيث قال…خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد.
تعجبنا مما وصلنا له من تدني وسوقيه ولغة هابطة يتداولها الجميع مع الأسف في المنازل والمدارس والجامعات واللوحات الإعلانية في الشوارع وما يبث عبر الأثير في الإذاعة والتليفزيون ليل نهار, كلها تسير بنا نحو الهاوية وطمس الهوية, ونحن نلهث خلف تعليم بلغات شتي وقد أهملنا لغة الضاد.
كيف ننسي صوت الراحل فاروق شوشه في برنامجه الراقي لغتنا الجميلة وهو يقول أبيات حافظ إبراهيم … أنا البحر في أحشائه الدر كامن.. فهل سألوا الغواص عن صدفاتي.
الأربعاء الماضي الثامن عشر من ديسمبر احتفلت الأمم المتحدة باليوم العالمي للغة العربية وهو اليوم الذي أصدرت فيه جمعيتها العامة قرارها عام 1973 بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية المتعامل بها في الأمم المتحدة.
لكن قبل نشأة الأمم المتحدة وتحديدا قبل 1440عاما من هجرة رسولنا الكريم محمد بن عبد الله سجد الجن وأمن فور سماعه القران الكريم حين أستشعر جمال وروعة اللغة التي أنزل بها, وذلك بعد رحلة الطائف لدعوة أهل ثقيف إلي الإسلام متلمسا منهم النصرة بعد تجبر قريش عليه وعلي أصحابه بعد وفاة عمه أبو طالب, لكن ناله منهم الأذى والسخرية والضرب بالحجارة, فعاد إلي مكة حزينا وعند “واد نخلة ” قام في جوف الليل يصلي فاستمع الجن للقران لأول مره ووصفوه بالعجب, قال تعالي في سورة الجن ” قل أوحي إلي أنه أستمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرأنا عجبا يهدي إلي الرشد فأمنا به ولن نشرك بربنا أحد” صدق الله العظيم.
في كل مرة تقرأ فيها القران الكريم تكتشف جماله وإعجازة وكأنك تقرأه للمرة الأولي وكانت المعجزة ” فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين” سورة الطور أية 34.
ماذا فعلنا في لغتنا الجميلة؟ لماذا أهناها وهي لغة القران التي أدرك الجن روعتها ووقرت في قلبة وعقله منذ الوهلة الأولي, د. حسن الشافعي رئيس مجمع اللغة العربية يقول إن مأزق اللغة العربية في وقتنا الراهن يعود إلي طرق التدريس وجمود المناهج مما أدي إلي نفور الطلاب من تعلمها. ويطالب وزارة التربية والتعليم بالاهتمام بتعديل المناهج لكن عن طريق المثقفين وأعضاء مجمع اللغة العربية لا عن طريق الموظفين بالوزارة. يري أن المدارس فقدت دورها ولهذا يلتحق الطلاب بالجامعات لا يجيدون كتابة أسمائهم بشكل صحيح. وأن قواعد النحو والصرف والبلاغة تأتي معقدة بلا تبسيط بعد أن كان يؤلفها كبار الأدباء أمثال علي الجارم وعبد العزيز جاويش ومحمود سامي البارودي فمن مؤلفها الأن؟
قال اللوم ليس علي الجيل الجديد بل علي الذين لم يحسنوا تربيتهم وتعليمهم, فلا المدرسين مخلصين في عملهم ولا الأسرة بات بها توجيه لهم خاصة وأن المجمع به لجنة اللغة العربية مهمتها دراسة المناهج وتطويرها أنشئت منذ ثماني سنوات وحين طلب من الوزارة المنهج الجديد للتشاور فيه كهيئة بحثيه لم يتلق المجمع أي رد رغم أن دوره يقتصر علي تقديم النصيحة لا أكثر.
اللغة هي إحدى وسائل القوي الناعمة في الوطن العربي, لكننا في مصر نعيش مرحلة تلوث لغوي, فهل يحتاج الأمر إلي قانون جديد يعيد احترام اللغة العربية أم أننا نحتاج إلي ضمير ووعي وحس الجن حين استمعوا للقران الكريم ولا أقول نحتاج إلي حس الإنس وهنا أتحدث عن جمال وإعجاز اللغة لا عن الإيمان رغم أن هذا يوصلنا لتلك .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.