جيهان عبد الرحمن تكتب : الحصون المنيعة

تحصنت إسرائيل بخط بارليف طوال حرب الاستنزاف حتي نصر أكتوبر المجيد وظنوا أنهم “مانعتهم حصونهم ” وهي ذات الفكرة التي نفذها أجدادهم من يهود بني النضير مع سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بعد هجرته إلى يثرب حيث نقضوا العهد مع الرسول وتحصنوا داخل حصونهم المنيعة ، وظنوا أن حصونهم تدفع عنهم البأس ولن يقدر عليهم أحد، لكن الله أتاهم من حيث لم يخطر لهم علي بال وألقي في قلوبهم الرعب والفزع، وكان إخراجهم مصحوبا بالذل والهوان.

كان الهدف من إقامة خط بارليف إقامة مواقع قويه حول المحاور الأربعة الموصلة من القناة إلي داخل سيناء، في بور توفيق والإسماعيلية والقنطرة علي مسافة عشرة كيلومتر شرقي القناة، شبكة قويه من التحصينات تطورت بمرور السنوات إلي “أغلي مساكن” أقيمت في إسرائيل فيها كل وسائل الراحة، أجهزة اتصال متطورة، مكيفات هواء، مبردات، مواسير مياه، مخازن تموين، ألة عرض سينمائي في كل تحصين، تبدو من الخارج كقلعة في العصور الوسطي كدبابة عملاقه قادرة علي القتال، كل تحصين يضم من 30 إلي 35 مقاتل. كثير من التحصينات فيها نواد مجهزة بأدوات رياضيه مثل تنس الطاولة و كرة السلة أقيمت جميعها علي غرار النوادي في أمريكا، وكان الفنانون والمحاضرون يزورون التحصينات كل أسبوع لينقلوا الحضارة والثقافة للجنود الذين كانوا يتوقون إلي اللحظة التي يجيء فيها دورهم للخدمة هناك فهي تمثل لهم فترة استجمام وراحه وجو لطيف.

تحصينات خط بارليف تمت علي ثلاث مراحل الأولي من بداية حرب الاستنزاف وحتي وقوع القصف المصري العنيف عام 1968 وظهر وقتها أن تحصيناتهم لا تستطيع الصمود في وجه المدفعية المصرية، وكان وضع جنودهم يشبه الانتحار من وجهة نظرهم، لهذا انتقلوا للمرحلة الثانية التي استمرت حتي نهاية حرب الاستنزاف في أغسطس 1970 حين أعلن وقف اطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر وقتها بدأ سباق محموم مع الزمن خشية تجديد القتال وبدأت عملية ضخمه لترميم خط بارليف وكانت التحصينات في مواضع كثيره مهروسه هرسا حسب وصفهم، وكان من المستحيل الدخول إلي كثير من الدشم بسبب الردم، ولهذا أنفق في الأشهر الثلاثة الأولي لوقف النار30 مليون شيكل وعندما أتضح ان وقف اطلاق النار مستمر طورت الشبكة وانفق عليها مبالغ هائلة تخطت المليار شقت فيها طرق جديده مؤديه للتحصينات وزاد ارتفاع الحاجز الرملي علي طول القناة وحفرت مراكز للدبابات وأقيم في عمق القناة خط ثاني لتمركز وحدات مدرعه لنجدة التحصينات حال عبور القناة، ووحدات مدرعة صغيره لمساندة التحصينات أثناء القتال ومعسكرات خلفيه مثل طاسه وبلوظه مسئولة عن قطاعات القناه إلي جانب دور المدفعية. وكل ذلك أنهار سريعا في ست ساعات لتفقد إسرائيل توازنها وسمعتها العسكرية وأموالها، لحظات دراميه حقيقيه يمكن توثيقها في عمل فني متكامل علي غرار فيلم الممر.

كان للجنرال بارليف معارضين لوجهة نظره وسياسته في التخندق خلف خطوط ثابته منهم أرييل شارون الذي كان يري أن الأموال الطائلة التي أنفقت علي الخط جاءت علي حساب تطوير الجيش والنمو الاجتماعي والاقتصادي للدولة، وتم اتهام ضباط هيئة الأركان بفقدان الاستقامة المهنية حيث كان يمكن شراء 1500 دبابه بتجهيزها أو100 طائرة من افضل نوع أو ذخيرة تكفي لعدة أيام إضافية للجيش كله أو إقامة شريط سميك من الألغام ذي كثافة كبيرة علي طول خط القناة مع سياجات من الأسلاك الشائكة علي كلا الجانبين وتوفير بطاريات المدفعية، أي شيء من ذلك كان سيساهم في أمن إسرائيل أكثر من إقامة خط بارليف فهو وجه الإنفاق الأسوأ بل هو الإنفاق الضائع.

لم تمنع الحصون هزيمة يهود خيبر وبني النضير ولم يحمي خط ماجينو الفرنسيون من هزيمة نكراء من الألمان، وكذلك كل حصون الجبابرة والطغاة تتهاوي أمام إرادة الله حيث قال تعالي في سورة الحشر ” هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فاتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار” صدق الله العظيم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.