ابراهيم نصر يكتب : من ملامح الهجرة

بقلم / ابراهيم نصر

الهجرة النبوية الشريفة من مكة إلى المدينة سبقتها هجرتان إلى الحبشة حيث أمر النبى أصحابه بالهجرة إليها لأن بها ملك عادل لا يظلم أحدا، رغم أنه لم يكن مسلما.

ومن هنا يتضح لنا أن الملك العادل غير المسلم خير وأحب بالنسبة للرعية من الملك المسلم الظالم، إذ أن الملك الكافر العادل، كفره على نفسه وعدله للناس، والملك المسلم الظالم إسلامه لنفسه وظلمه على الناس.

وعلماء الإسلام فضلوا الحاكم الكافر العادل على المسلم الظالم، وفى ذلك يقول الدكتور علي جمعة – مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء – إن دولة الإسلام هي دولة العدل وأنه لابد أن يكون العدل في جميع المناحي، مضيفا: إن العدل يبدأ في ساحة القضاء ويمتد ليشمل العدل الاجتماعي، والمساواة بين الناس، ورعاية الغني للفقير، وأن العدل هو أساس الملك، وأنه لا تبقى أمة ظالمة لنفسها، يضيع فيها حق الضعيف، مؤكدا أن علماء الإسلام فضلوا الحاكم الكافر العادل على المسلم الظالم، ذلك لأن الكافر العادل أستفيد منه، أما المسلم الظالم فيهلك الدنيا والآخرة، مشيرًا إلى قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم –  “الظلم ظلمات يوم القيامة”.

وقد كثر الكلام واللغط حول هذه المسألة: أيهما أفضل الحاكم الكافر العادل، أم الحاكم المسلم الظالم؟، فيرى بعض العلماء أن ليس أحدهما أفضل من الآخر على الإطلاق، فالكافر العادل أفضل من المسلم الظالم من جهة تحقيق العدل في نفسه، وفيمن يحكم، والمسلم الظالم أفضل من الكافر العادل من جهة تحقيق التوحيد في نفسه، ومحافظته على الحد الذي يبقيه في دائرة الإسلام، وما يترتب عليه من وعد ووعيد في الآخرة.

ويُقال أيضاً: إن الدول تقوم وتستمر، وتزدهر وتعلو بالعدل، وإن كانت كافرة .. وتضعف، وتتخلّف، وتنهزم، وتزول بالبغي والظلم، وإن كانت مسلمة، قال تعالى: “وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ” الأنبياء:11. وقال تعالى: “فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ” الحج:45.

وقال ابن تيمية رحمه الله في هذه المسألة: أمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم، ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، ويُقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام.

ملمح آخر من ملامح الهجرة قد يغيب عن أذهان الكثيرين، وهو أن النبى – صلى الله عليه وسلم – ضرب أروع الأمثلة فى حب الوطن والحفاظ عليه مهما لاقى فيه من عنت وظلم واضطهاد، فلم يفسد فيه ولم يستحل تدمير المرافق، ولم يأمر أصحابه بحرق الثمر أو قطع الأشجار والنخيل أو تكدير صفو الآبار التى يشربون منها أو ردمها وهدمها، انتقاما ممن يعذبونهم، ولم يأمر باغتيالهم غدرا وغيلة، وإنما فضل الهجرة والرحيل فى سلام مع تعلق قلبه بوطنه الذى تمنى أن يعود إليه، ولولا أن قومه أخرجوه ما خرج، وقبل الخروج لم يامر أصحابه أن يكتبوا على حوائط أعدائهم: تبا لقريش أو الموت لفلان أو القتل لعلان، ولم يتجاوز الأدب مع أشد الناس عداوة للإسلام والمسلمين، لأنه رسول الإنسانية الذى أدبه ربه فأحسن تأديبه، فلعلنا نفهم هديه ونتأدب بأدبه، صلى الله عليه وسلم.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.