هل تكيد لنفسها

بقلم جيهان عبد الرحمن

بعيدا عن الاستغراق في تحليل نتائج الثانوية العامة هذا العام يكفي أن نعرف أن اكثر من 50 ألف طالب وطالبه حاصلون علي مجموع 95% فأكثر، وان 50% من طلاب شعبة العلوم حصلوا علي مجموع أكثر من 90% وهذا يعني بوضوح ارتفاع الحد الأدنى للقبول بكليات الطب ليصل إلي 99% ربما اقل قليلا، لماذا أخص كليات الطب بالتحليل لأنها الكليات التي طالب رئيس مجلس الوزراء في 3 يونيو الماضي بتخريج دفعات استثنائية علي غرار ما يحدث في الكليات العسكرية، وهو التوجه الذي قوبل بالرفض الشديد من قبل نقابة الأطباء والخبراء والمهتمين بل ووصف هذا التوجه بالكارثي و قيل أنه بمثابة الاغتيال لمهنة الطب وتخريب لها، وطبعا السبب في هذا الطرح هو محاولة مواجهة العجز الشديد في عدد الأطباء وهيئة التمريض بالمستشفيات الحكومية والتابعة لوزارة الصحة حيث ثبت أن 60% من الأطباء المصريين يعملون في الخليج و6 الأف استقال خلال 3 سنوات وطبقا للأرقام الرسمية عجز الأطباء وصل إلي 30%

الاتجاه إلي رفع الحد الأدنى للقبول بكليات الطب وعدم تحديد الأعداد المقرر قبولها حتي الأن من قبل المجلس الأعلى للجامعات يؤكد أن ثمة مأزق كبير تعيشه الحكومة وتناقض أكبر بين المطالبة بتخريج دفعات استثنائية الشهر الماضي ومحاولة تحجيم الأعداد المقرر قبولها الشهر الحالي. وكأن الحكومة تكيد لنفسها، التربية والتعليم تصدر للتنسيق أعدادا كبيره بمجموع تكراري كبير، فيتعامل التعليم العالي مع الأرقام مجرده حتي لو اضطر ان يرتفع بالتنسيق للقبول في كليات الطب إلي 99% وهو ما يذكرنا بدفعة التحسين في أول التسعينات، في الوقت الذي تعترف فيه وزارة الصحة بالعجز والفشل ويترخص التعليم العالي في إنشاء كليات طب خاصه بلا مستشفيات لتقف علي الطرف الأخر نقابة الأطباء وحدها محذرة كل الأطراف علي حد سواء بعدما لمسته من مهازل وصلت إلي حد التحاق طلاب الأدبي والديبلومات الفنية بكليات طب خارج مصر من روسيا ورومانيا وأوكرانيا، والمطالبة بالمعادلة وممارسة المهنة هنا، وكليات داخل مصر بلا مستشفيي أو تدريب، وهو الخلاف الكبير الذي قررت النقابة بعده بكل حسم عدم قيد خريجي كليات الطب الخاصة التي لا يوجد بها مستشفى للتدريب، رغم تكليف رئيس الوزراء بإتاحة المستشفيات الحكومية لها وتدريب الطلاب بها وهو ما رفضته النقابة بشكل قاطع إلي جانب قرارها بعدم قبول أي طالب يقل مجموعه في الثانوية العامة عن 5% من المجموع الذي قبلت به الجامعات الحكومية عام التخرج.

الطلاب المتقدمين للمرحلة الأولي هذا العام أكبر من العام الماضي، وقدرات كليات الطب محدودة كما هي ولا يمكن لها أن تستوعب كل الأعداد المتقدمة، لكن المتوقع رغم ذلك قبولهم مثل كل الأعوام الماضية. وها هو وزير الصحة السابق يؤكد أن كليات الطب في مصر تخرج سنويا 9 الأف طبيب منهم 8الأف لا يستطيعون ممارسة المهنة بالمعلومات التي حصلوا عليها في كلياتهم، ووزيرة الصحة الحالية تصرح بأن لدينا نقص هائل في القوي البشرية وأداء المنظومة الصحية لم يتحسن ولم نستطيع منافسة رواتب دول الخليج و القطاع الخاص ” 3″ الأف دولار شهريا مقابل ” 120″ دولار في مصر.

د. خالد عبد الغفار وزير التعليم العالي يعمل علي زيادة عدد الطلاب الذين يتم قبولهم بالقطاع الطبي لمدة 10سنوات قادمه للوصول إلي العدد الأمثل لاحتياجات الدولة، لكن هل حقا مشكلتنا في الأعداد أم لدينا هم أكبر بكثير؟.

بعيدا عن التضارب وحالة وصفت “بالمهزلة” هناك حقيقة لا لبس فيها وهي انخفاض الأنفاق علي التعليم والصحة من نسبة الناتج القومي كما حددها الدستور من 3,9% عام 2014-2015 إلي 2,1في موازنة 2019-2020 رغم اشتراط الدستور تخصيص 7%من الدخل القومي للتعليم قبل الجامعي و4% للتعليم الجامعي، وانخفض الإنفاق علي الصحة من 1,8% عام 2014-2015 إلي 1,2% في موازنة 2018-2019 ونص الدستور علي إنفاق 3% من الدخل القومي.

من سجلات نقابة الأطباء في فبراير 2019 لدينا 232835 طبيب في مصر بمعدل 2,3 طبيب لكل الف مواطن وهي نسبة كافيه حسب منظمة الصحة العالمية لكن واقع الحال يؤكد العجز الكبير نتيجة هروب الأطباء من ظروف العمل القاسية في مصر من ضعف مرتبات إلي سوء حال المستشفيات والاعتداء علي الأطباء من الأهالي …نقابة الأطباء مازالت تحذر من كارثة الاندفاع نحو تخريج أعداد كبيرة من الأطباء ضعيفي المستوي حتي لا تنهار مهنة الطب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.