الكاتب الصحفي محمد يوسف العزيزي يكتب : بين الربيع العبري وطوفان الأقصى : الجامعة العربية من حلم الوحدة إلى مشهد الانقسام !

الكاتب الصحفي محمد العزيزي

تدور معركة كلامية ساخنة على منصّات التواصل الاجتماعي، وتحديدًا “فيسبوك” و”إكس” (تويتر سابقًا) بشأن الحديث عن نقل مقر جامعة الدول العربية إلى المملكة العربية السعودية وتعيين أمين عام غير مصري للمنظمة
ورغم أن البعض يتجادل بشأن رمزية هذه الخطوة فإن الجدل يكشف عمق الانقسام في الرأي العربي حول الدور الذي تلعبه الجامعة لا سيما في العقود الأخيرة !

فقد أصبحت الجامعة العربية – برأي كثيرين –  كيانًا باهتًا لا يملك أدوات التأثير في ظل تشرذم أكثر من نصف أعضائها بين دول فاشلة وأخرى منقسمة على ذاتها ، وثالثة قرارها السيادي مختطف لصالح قوى إقليمية ، ورابعة تحكمها ميليشيات، وخامسة تتنازعها حكومتان.. والمفارقة أن هذا التشظي العربي يتم غالبًا برعاية عربية قبل أن يكون برعاية غربية!

وفي قلب هذا الجدل الحاد انقسم المتابعون إلى فريقين :

– فريق يرى أن مصر بحكم كونها دولة المقر ومن أبرز الدول السبع المؤسسة للجامعة لا ينبغي أن تفقد هذا الموقع الرمزي فهي صاحبة التاريخ والحضارة والنضال ، بينما كانت بقية الدول الأعضاء وقت التأسيس إما واقعة تحت الاحتلال أوغير مؤهلة للانضمام إلى منظمة إقليمية !

– وفريق آخر يبرر إمكانية نقل المقر إلى السعودية .. بل ويطالب بأمين عام غير مصري بحجة أن الجامعة لم تقدم شيئًا يُذكر للقضايا العربية سوى بيانات الشجب والإدانة وأن القرار الحقيقي في ملفات المنطقة بيد الغرب، الذي يدير الأزمات ولا يحلّها، رغم امتلاكه مفاتيح الحل.

لكن الحقيقة أن أزمة الجامعة العربية تكمن في ميثاق تأسيسها ذاته، الذي أنشأها كمنظمة سلطتها أقل من الدول الأعضاء .. لا أعلى منها ، وهو ما يجعل قراراتها غير ملزمة ، فطريقة التصويت تتطلب إجماعًا على أي قرار مهم، وهو أمر مستحيل عمليًا بسبب تضارب المصالح والتحالفات خارج الإقليم ، وسار الأمر علي مبدأ التوافق في اتخاذ القرار ، وحتي هذا لم يعد قائما في ظل الاستقطاب الحاد في المنطقة والبحث عن دور الزعامة ولو كان زائفا

ولهذا لم تكن الجامعة العربية أبدًا بحجم الاتحاد الأوروبي مثلًا، الذي تتقدم قراراته – على الأقل في مجالات السياسة الخارجية والدفاع والاقتصاد – على إرادة الدول الأعضاء.

ورغم هذا الواقع المؤسف، علينا أن نُعيد قراءة ما حدث في العقدين الأخيرين، وتحديدًا منذ ثورات ما أطلقوا عليها  بـ”الربيع العربي” – أو “الربيع العبري” كما أراه – التي اجتاحت أقدم الدول العربية وأكثرها عمقًا حضاريًا ، فحولتها إلى كيانات مفككة ودول فاشلة تعاني من الحروب والانقسام الأهلي والتقسيم باستثناء مصر التي خرجت من هذا المسار الجهنمي بفضل ثورة 30 يونيو التي أنقذت الدولة الوطنية المصرية .

انعكس هذا التحوّل بشكل مباشر على مجمل الأداء العربي المشترك، خاصة بعد غياب الزعامات القومية المؤثرة، وحلول قيادات رهنت قرارها السيادي للغير.

أما التطور الثاني الذي زلزل المنطقة فهو ما يسمي بـ ” طوفان الأقصى ” في 7 أكتوبر، والذي غيّر شكل الإقليم .. ليس لمصلحة العرب .. بل لمصلحة الكيان الصهيوني ، فقد مهد له الطريق نحو ما يسمى “الطوق النظيف” الذي لطالما حلم به .. فلا جيوش تزعجه ولا مقاومة تهدده – حتى لو كانت ساكنة لسنوات – ولا حدود مغلقة تمنع تمدده في الخليج أو تقطع الطريق عليه للوصول لإيران دون عائق وبأقل تكلفه وزمن !

وبعيدًا عن تفسيرات المؤامرة ، فإن النتائج الكارثية لما جرى – سواء في “الربيع العبري” أو “طوفان الأقصى” – باتت ماثلة للعيان، وفي مقدمتها: تراجع دور الجامعة العربية وغياب تأثيرها الذي لم يحدث غير مرة واحدة أو مرتين ، وانكماش الحلم الفلسطيني في دولة مستقلة في الأمد القريب والمتوسط، إن لم يكن على المدى البعيد أيضًا فهذا في علم الله .

لقد تحولت الأرض العربية إلى رقعة شطرنج تتصارع عليها قوى إقليمية ودولية ، بينما النظام العربي لا يملك سوى المشاهدة… ودفع فاتورة ” الفرجة ” ، وآخر فاتورة كانت موافقة سلطات “جولان سوريا” على منح أمريكا قاعدة عسكرية دائمة مثل مثيلاتها في المنطقة كي ينام الكيان الصهيوني مطمئنًا، في حضن هذه القواعد تحميه من الشمال والجنوب والشرق.

ويبقي فقط الجيش المصري، هو الدرع الحامي الوحيد، الذي يدافع عن الدولة المصرية ويحمي حدودها ومع ذلك لا يزال هناك من يتساءل: لماذا تشتري مصر السلاح؟ ولمن تشتريه؟!

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.