الإعلامي محمود عبد السلام يكتب : احمد عاكف وماكرون

ربما يكون قد تطوع أحد المرافقين للرئيس ماكرون ( رئيس فرنسا ) ، وذكر له أن المقهى الذى جلس عليه ، يحمل اسم أديب نوبيل نجيب محفوظ ، ولكن قد يكون فاته ان يقول للرئيس الفرنسى ان هذا الحى العتيق الذى يجلس فيه الآن ، دارت فيه احداث رواية من أهم روايات محفوظ الكبرى التى تنتمى للواقعية الاجتماعية ، وان هذه الرواية التى دارت أحداثها ابان الحرب العالمية الثانية ، والتى هزمت فيها فرنسا واحتل هتلر عاصمة النور والثقافة ( باريس ) ، والرواية تصور لنا انتقال اسرة احمد عاكف بطل الرواية من حى السكاكيني الذى كان اغلب سكانه من اليهود ، هرباً من غارات طائرات هتلر ، الذى كان يمقت اليهود يطاردهم بالقتل اينما كانوا ، انتقلت اسرة احمد عاكف الى خان الخليلى بحى سيدنا الحسين احتماء بابن بنت النبى ( ص ) حين أعلن هتلر احترامه للاسلام وعدم قصف الاماكن المقدسة ،
الرواية من امتع رويات محفوظ وتجلت من خلالها صورة الحى الشعبى الذى وصفه محفوظ بدقة شديدة ، وشتان بين اليوم والأمس ، بعد ان كان اليهود مطاردين ومشتتين فى جميع انحاء العالم ، اصبح المسلمون هم من يهربون من الغارات الصهيونية الأمريكية ، التى تعمل فيهم المجازر والقتل ليل نهار فى غزة واليمن والعراق وسوريا ولبنان ، بموافقة ضمنية من العالم كله،
الفرنسيون عاشقون للثقافة والتاريخ ، ولعلم المصريات عندهم مكانه كبيرة وولع شديد ، اختيار زيارة ماكرون رئيس اكبر دولة اوربية لهذا المكان الشعبى التاريخى ، كان اختياراً ذكياً ،مساجد مصر لا تقل روعه وجمالاً عن كنيسة سان ميشيل واخوتها ، ومقاهى مصر الثقافية مثل مقهى نجيب محفوظ بخان الخليلى بنفس اهمية المقاهى الفرنسية الشهيرة بالشانزلزية ،
لقد جمعت الزيارة بين التراث والحداثة واثبتت ان الابداع المصرى أصيلاً ومتواصلاً عبر الاجيال ، وكما ان هناك إبداعاً حرفياً متمثلاً فى منتجات خان الخليلى هناك أيضاً الابداع الفكرى المتمثل فى نجيب محفوظ جنباً الى جنب، مصر المبدعة بتاريخها الانسانى والحضاري الموغل فى القدم يجب ان ننتبه اليه اكثر من ذلك ، لانه اهم كثيراً من اطول او اكبر او اعظم برج او كوبرى او مدينة حديثة ،
أحسن القائمون على تأمين زيارة الرئيس وضيفه بترك مساحة للاختلاط مع الناس فى رسالة واضحة ان مصر بلد الامن والامان ، وان شعبها يعلم متى يصطف خلف القيادة، ومتى ينتقدها او يعارضها ، رغم ما اصاب المجتمع من امراض اجتماعية لاسباب كثيرة لا يتسع الوقت لذكرها ، إلا أن مصر مازالت عفية وعصية وقوية امام المؤمرات التى تحاك ضدها من القريب قبل البعيد ، ننتقد نعم ، نكره لا … والف لا ..
تحيا مصر .. تحيا مصر