عبد الناصر البنا يكتب: الدراما .. من هنا كانت البداية !!

الحقيقة أن ماوصل إليه حال الدراما فى بلدنا أصبح لايسر عدوا ولاحبيب بالقدر الذى جعل رئيس الدولة نفسه يعبر عن إستياءه مما وصل إليه هذا الحال خلال حفل إفطار للقوات المسلحة ، وقد سبق للرئيس أن تحدث عن الموضوع نفسه منذ ثلاث سنوات تقريبا ، وأكد على الدور الكبير الذى تلعبه الدراما فى تشكيل الوعى الجمعى للشعب المصرى، وعلى ضرورة تقديم محتوى يليق بتاريخ وحضارة مصر ، ويدعم القيم الأصيلة للمجتمع المصرى .. إلخ
والحقيقة أن الرأى العام فى مصر ( يقظ ) ولديه القدرة على أن يختار ويفرز ويميز الصالح من الطالح ، وقد (ضج) الرأى العام فى مصر منذ سنوات وعبر عن إستياءه الشديد من فظاعة الموضوعات التى تناقشها دراما شهر رمضان والتى تبعد كل البعد عن القيم الأصيلة والتقاليد الراسخة فى وجدان الشعب المصرى .
وحاصل القول أنه فى الفترة الأخيرة ظهرت نوعية من الأعمال الدرامية التى تقدم خلال شهر رمضان تحمل فى طياتها الاسفاف والعرى والعنف والبلطجة والصوت العالى ، وإن شئت قل الخزى والعار وإشاعة الرذيلة فى المجتمع ، وكلها أعمال صدرت صورة سيئه وغير حقيقية عن واقع المجتمع المصرى ، بالقدر الذى جعل رئيس الجمهورية يتدخل شخصيا من أجل وقف تلك المهازل .
وقد سبق لى الكتابة عما وصل إليه حال الدراما فى مصر ، ولن تكون هذه المرة الأخيرة التى أكتب عنها ، وقد سبق لى الكتابة فى شهر أبريل 2021 تحت عنوان ” سوق الدراما .. جبر ” ، وفى شهر فبراير 2023 أيضا تحت عنوان “سوق الدراما جبر .. حدوتة كل عام ” وكتابات أخرى متفرقه فى سياق الحديث عن ” ماسبيرو ” والخطة الممنهجة لـ إفشاله وتهميشه وسحب البساط من تحت أقدامه ، وكتابات على صفحتى بموقع فيس بوك ، ويبدو أنه كان ” لاحياة لمن تنادى ” !!
لكن الشىء الغير مفهوم أنه حتى قبل أن تصدر هذه التوجيهات الكريمة من السيد رئيس الجمهورية . أليس فى مصر وزارة للثقافة ومجلسا أعلى للأعلام ينطوى تحت لواءهما جهات رقابية محايدة تقرر مالذى يجب أن يقدم للمشاهد ؟ والسؤال أيضا الذى يجب طرحة على الشركة المتحدة التى تتولى أمر الإنتاج الدرامى إذا كان فى مقدورها أن تقدم أعمالا هادفة لاقت قبولا وإستحسانا لدى المشاهد المصرى والعربى مثل مسلسل الإختيار وغيره .. لماذا لم يكن هذا النجاح دافعا لها إلى إنتاج المزيد من الأعمال المتميزة بعيدا عن كل هذا الإسفاف ؟
والسؤال أيضا أليس فى بلدنا العظيم “برلمان” له تاريخ ومجلس شيوخ ونواب عن الشعب والمفترض أن هذه الأعمال والاعلانات قد دخلت بيوتهم وشاهدوها ، إذن أين دورهم الرقابى على عمل الوزارات التى من صميم إختصاصاتها مراعاة الذوق العام والآداب العامة فى المجتمع المصرى ، وما الذى يجب أن يقدم أو لا يقدم على شاشات التليفزيون وفى دور السينما والمسارح .. إلخ ،
والأهم من كل ذلك أليس فى بلدنا “حكومة ” يجب أن يكون لها الكلمة العليا ولديها القدرة على إصدار الأوامر والتوجيهات ، وأين الكتاب والمثقفون والمفكرون والصحافة القومية ، كلنا والله مذنبون فى حق هذا البلد ولا أستثنى أحدا . لماذا إنتظرت الناس كلها إلى أن صدرت الأوامر من رأس الدولة ووفقا للرؤية التى تم طرحها لتستيقظ مصر فجأة ويستيقظ الرأى العام وتتبارى الأقلام و والتحليلات وتضج وسائل التواصل الإجتماعى بالمنظرين .
عموما .. أن تأتى متأخرا خير من أن لاتأتى ، والرجوع إلى الحق خيرا من التمادى فى الباطل ، وحسنا فعل رئيس
الوزراء وبتوجيهات من رئيس الجمهورية عندما أصدر تعليماته بتشكيل لجنة لإعادة هيكلة وفلترة الأعلام والدراما
المصرية وشركات الإنتاج الدرامى ، والشركة المتحدة بدورها سارعت بتشكيل لجنة من الخبراء لتطوير المحتوى
الاعلامى والدرامى وإعادة هيكلة ملف الدراما ، والمجلس الأعلى للأعلام أعاد تشكيل لجنه الدراما برئاسة الناقدة
ماجدة موريس ، وأعلنت الهيئة الوطنية للأعلام عن عقد مؤتمر عن مستقيل الدراما فى مصر ، ونشاط غير عادى
ومكثف فى وزارة الثقافة ؛ ويبدو أن دعوات الرئيس كان لها صدى وتحركات قوية ضد دراما البلطجة
ومن وجهه نظرى المتواضعة ، أأمل أن لايمر موضوع الخراب الذى لحق بالدراما المصرية مرور الكرام ، وإنما يجب أن
يكون هناك عقاب رادع لكل من أجرم فى حق هذا الوطن ، وأعتقد أن أجمل مافى الضجة التى أثيرت حول دراما
رمضان هذا العام ، هو فتح هذا الملف وإعادة ترتيب البيت من الداخل ، وأتمنى أن يعود الحق إلى أصحابه ، وأن
تعطى الدولة قبلة الحياة لقطاع الإنتاج فى التليفزيون المصرى الذى قدم أعمالا صدرت القوة الناعمة لمصرنا الحبيبة
إلى العالم من المحيط إلى الخليج ليعود هذا القطاع إلى سابق عهدة وأوانه ، وقد تواترت أخبار بعودة قطاع الانتاج
بإنتاج مسلسل عن طلعت حرب .
والحمد لله أن مصر مازال بها قامات كبيرة سواء فى التأليف أو الإخراج وكل القائمين على عناصر العمل الفنى من
القادرين على الإرتقاء بالدراما وإقالتها من عثرتها وعودتها الى سابق عصرها وأوانها ، وأعتقد أنه يكفينا مسلسل
تاريحى او دينى واحد مثل مسلسل “عمر بن عبدالعزيز ” خامس الخلفاء الراشدين ومايحمله من إبهار
وعمل واحد للأطفال على غرار فوازير ” عمو فؤاد ” ومسلسل إجتماعى على غرار المال والبنون او الضوء الشارد او
ليالى الحلمية وبها وكفى . إنما أن ننفق ماقيمته 54 مليون دولار أو مايعادل “مليار جنية ” فى دراما لاتقدم ولا تؤخر
فهذا هو العبث والسفه بعينه ، هذا بخلاف المليارات التى تنفق على تورته الإعلانات !!
وأعتقد أن الأمور سوف تهدأ كثيرا بعد إعتزال المخرج محمد سامى للدراما لأنه كان السبب فى إثارة الجدل مرة
بمسلسل ” نسل الأغراب ” ، وأخرى بالأعمال التى قدمها هذا العام وماسبقه من أعوام ولم تجد قبولا لدى الشارع ،
وكلها أعمال غلبت عليها الشللية والمحسوبية ..