الدكتور هيثم الطواجني يكتب : الوحدة العربية
إذا ما نظرنا بقدر من التدبر والتعقل لما حدث ويحدث في عالمنا المعاصر لأمكن لنا وبوضوح تام لا لبس فيه استشراف مستقبلنا، والذي نستطيع أن نعزز فيه من فرصنا في الصعود والنمو والتقدم و الازدهار، ولا أغالى إذا ما قلت أننا قد نصبح من القوى العظمي الصاعدة والواعدة، وذلك طبقاً لما نمتلكه من قدرات وامكانيات هائلة بل أننا نمتلك ونتفوق على العديد من القوى العظمى العالمية الحالية أو تلك المرشحة للنمو والصعود فى المستقبل، ولكى أفسر ما أقوله دعني أعقد مقارنة بين وطننا العربي وقارة أوروبا، ولنبدأ بقارة أوروبا تلك القارة العجوز كما يطلقون عليها والتي تبلغ مساحتها 10,53 مليون كم مربع ويسكنها 742 مليون نسمة يتحدثون لغات عديدة ومختلفة ويدين أغلب الأوروبيين (76%) بالمسيحية بمذاهبها المختلفة بالإضافة إلى الإسلام واليهودية.
– لا تمتلك تلك القارة الموارد الضخمة ولا الثروات الهائلة بل العكس هو الصحيح تماماً فهي قارة أنهكتها الحروب
الطاحنة والاختلافات الإيديولوجية المستمرة فضلاً عن تنوعها الكبير فى الثقافات والأفكار والعادات والتقاليد، فعلي
سبيل المثال تجد ألمانيا وفرنسا كدولتين متجاورتين لا يجمعهم الا تاريخ طويل من التناحر والتنافس والاقتتال ومع كل
هذا الماضي المليء بالعداء تجدهم اليوم وقد نبذوا أسباب الفرقة وتوحدوا تحت راية الإتحاد الأوروبي، بعد أن توصل
الأوروبيين إلى مفهوم واحد ودائم يتلخص في عدم جدوى الاختلاف والاقتتال فيما بينهم، بل هناك هدف أسمى
وأعظم من ذلك ألا وهو نبذ الاختلافات والفرقة ولو حتى مؤقتاً في سبيل الاندماج فيما بينهم، وكان الاساس الفكرى
الذي يقوم عليه هذا الاتحاد هو دمج الدول الأوروبية سياسياً واقتصادياً، وكانت البداية فى 18 أبريل عام 1951 وقعت
كل من فرنسا وألمانيا الغربية و بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ وإيطاليا على معاهدة باريس التي إلي تأسيس الجماعة
الأوروبية للفحم والصلب، و في 25 مارس عام 1957 أبرموا اتفاقية يوراتوم مشكلين الجماعة الأوروبية للطاقة الذرية
وبالتزامن تأسست أيضا المجموعة الاقتصادية الأوروبية بمقتضى اتفاقية روما، وفي عام 1958 دخلت معاهدة روما
حيز التنفيذ وكانت تفكر في التداول والبيع بحرية من خلال الاتحاد الجمركي سابقا بين الدول الأعضاء أي بدون دفع
الرسوم الجمركية للسلع ثم دخلت المملكة المتحدة والدنمارك وجمهورية أيرلندا المجموعة كعضو كامل العضوية،
وفي عام 1981 انضمت اليونان لتلك المجموعة بينما انضمت البرتغال وإسبانيا في عام 1985، وفي 14 يونيو عام
1985 أُبرمت اتفاقية شنغن التي تهدف لإلغاء الرقابة على الحدود فيما بين الخمس دول الأعضاء (فرنسا وألمانيا
الغربية و بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ) كما تبع ذلك أهدافا أخرى مثل خلق سياسات مشتركة في العديد من
المجالات الأخرى مثل الزراعة والنقل والمنافسة والتقارب في السياسات الاقتصادية وانشاء الاتحاد الاقتصادي
والنقدي وخلق سياسة خارجية وأمنية مشتركة وتلا ذلك أبرام واعلان معاهدة ماستريخت في عام 1992 التي
بموجبها أعلن الاتحاد الأوروبي بشكله الحالي الذي يضم 28 دولة كمنظمة كبرى للتعاون الاقتصادي والسياسي
والأمني وهكذا نجح الأوروبيون علي مدار أربعون سنة فى تحقيق وحدة سياسية واقتصادية متجاهلين عوامل الفرقة
والتنافر العديدة الضاربة بجذورها فى تاريخهم الطويل والتى كانت سبباً مباشراً لخوض النزاعات المستمرة والصراعات
المريرة والحروب الطويلة وصولاً إلى الحروب العظمى (الحرب العالمية الأولى والثانية).
– بينما نجد فى عالمنا العربي النقيض تماماً حيث تبلغ مساحة وطننا العربي 13,487 مليون كم مربع موزعين على
قارتى آسيا وأفريقيا ويبلغ عدد السكان 400 مليون نسمة (الغالبية العظمى من المسلمين) نتحدث جميعاً اللغة
العربية بمختلف لهجاتها ويسيطر العرب على اثنين من الممرات البحرية الهامة في العالم من أصل 3 ممرات (قناة
السويس – الخليج العربى) وحبانا المولى عز وجل بالكثير والكثير من الثروات المتنوعة والمختلفة والطقس المعتدل
والبيئة الصالحة للعمل أغلب أيام السنة، مما يجعلنا نعيش فى رغد ورفاهية، ولن أعدد تلك الخيرات والثروات فهناك
المتخصصين فى هذه العلوم فهم أقدر منى على الحديث فى هذا، ولكننى أريد أن أعقد مقارنة بسيطة بين العرب
والأوروبيين بشكل عام، فنحن العرب لدينا كل وجل ما يجمعنا ويؤلف قلوبنا ويوحد صفوفنا ويجمع كلمتنا من وحدة
الدين والدم واللسان والعرق والمصير المشترك ومع هذا فنحن متفرقون ومتباعدون نقف أمام السفارات والقنصليات
العربية من أجل تأشيرة دخول لنسافر إلى دولنا العربية بينما الأوربيون يتجولون فى ربوع أوروبا بدون تأشيرة دخول بل
يكفيهم إظهار هواياتهم الشخصية فقط بعد ان استطاعوا محو أسباب الفرقة والانقسام.
– ومن وجهة نظري ان السبب الرئيسي يتلخص في ضعف إرادتنا كعرب ولا أتكلم هنا عن العرب كشعوب بل
كحكومات وليست الاحداث الجسام التي عصفت بأمتنا العربية بخافية على أحد من حرب فلسطين عام 1948 مروراً
بالوحدة المصرية السورية (الجمهورية العربية المتحدة) وأشكال أخري كان محورها مصر ودول أخري وفشلت فضلاً
عن جامعة الدول العربية التي ولدت وعاشت لتجمع كلمة العرب ولم تنجح حتى تاريخه في تحقيق أمالهم
وطموحاتهم ولكني سأتكلم عن قدرات العرب اذا ما اتحدت إرادتهم وتجمعت كلمتهم ولدينا مثال واضح كاتفاقيات
مجلس التعاون لدول الخليج العربي.
– إذا ما تضافرت جهود دولنا العربية لأصبحنا من القوي السياسية والعسكرية والاقتصادية المصنفة عالميا ولبات صوتنا
مسموعاً ولأمكننا استعادة أراضي كل من فلسطين والصومال وطرد كل القوى المتربصة بأوطاننا العربية، بل لأمتلكنا
أسلحتنا التقليدية وفوق التقليدية ولما بات عالمنا العربي سوقاً واسعة لمنتجات من يناصبوننا العداء، وأصبحنا بفضل
إتحادنا نزرع غذائنا وننتج سلاحنا ونستخرج ثرواتنا ولا يشاركنا فيها أحد.
– أخيراً فطن الأوروبيون فى العصور الوسطى إلى نقل دوائر الصراع بكل أنواعه إلى خارج أراضيهم التى كانت تعاني
من الحروب والصراعات والنزاعات والفقر الشديد والتخلف الحضارى وبالتحديد إلى العالم العربى بحثاً عن كنوز الشرق
هكذا كانت دعايتهم أثناء تعبئتهم وحشدهم لمقاتليهم بينما كنا منقسمين ومتفرقين ومشغولين بالصراعات الداخلية
التى لا تنتهي وانتهت تلك الحقبة التاريخية بهزيمة الأوروبيون وتعلموا الدرس ولم نعى نحن قيمة العمل الجماعى
والوحدة والمصير المشترك.