“السيدة زينب .. و يزيد ” .. دراما شعرية من فصل واحد

تأليف الدكتور صلاح عدس

[في قصر يزيد بن معاوية .. قاعة ضخمة فخمة يبدو يزيد متهللا وحوله جنوده وقواده «عمر بن سعد» و«شمر بن ذي الجوشني» والشعراء على رأسهم «الأخطل النصراني» وشيوخ السلاطين والأتباع ..

يدخل موكب آل البيت النساء مكبلن بالأغلال ومعهم زين العابدين والسلاسل في رقبته والأطفال مربوطون بالحبال وشهداء آل البيت مع الحسين رؤوسهم على أسنة الرماح ..] .

ـ يزيد : أين الشعراء .. أين الشعراء .. أين الأخطلْ.. وقصائده العصماء .

ـ الأخطل : [يقف منشدا]

قتلت حسينا قتلةً ليس بعدها          ولا قبلها مجدٌ وإنك خالدُ

[الجميع تصفيق حاد ويلقى إليه يزيد بكيس الدنانير فيلتقطه في فرح وينهض شاعر آخر] .

فلتشربوا نخب الحسين .. نخب الانتصار .. حتى ولو طلع النهار .

[فالآن نكرم عمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وكل من شارك في قتل الحسين]

ـ زين العابدين : 

«لو رسول الله يحيا بعده

 

  قعد اليوم عليه للعزا»

 

ـ يزيد : من هذا ؟  من أنت ؟

ـ زين العابدين :  أنا ابن القتيل .. الشهيد الجليل .

ـ يزيد : فماذا تقول ؟

ـ زين العابدين : ما ظنك برسول الله .. لو جاء اليوم يراني في الأغلال .

ـ يزيد : أبوك هو الجاني .. نازعني سلطاني .

ـ فاطمة بنت الحسين : أبنات رسول الله سبايا ؟

ـ رجل من الأتباع في الشام : تعجبني بنت «حسين» يا مولاي

فاطمة النبوية .. أبغيها لي جارية .

ـ يزيد : لك ما شئت هدية .. خذها عندك أَمة .

[فاطمة تخاف وتحتمي بالسيدة زينب]

ـ السيدة زينب : [تنهرهما في غضب وشجاعة]

كذبتَ .. والله ما ذلك لك .. أولَهْ .

ـ يزيد : بل أنت كذبت .. ذلك لي إن شئتُ فعلتْ .

ـ السيدة زينب : كلاّ والله .. لا يرضى الله بذلك .. إلا أن تخرج من ملتنا .

ـ يزيد : [في أشد الغضب]

خرج من الدين أبوك .. وأخوك .

ـ السيدة زينب : بل أنت وجدك وأبوك .. اهتديتم .. بديانة جدي وأبي وأخي .

ـ يزيد : ما رأيك يا شيخ السلطان ؟

ـ شيخ السلطان : ما شئتَ أنت فإنه القدرُ .. فاحكم فأنت الحق والخيرُ ..

ولا لغيرك فينا نهيُّ ولا أمرُ .

[شيوخ السلطان يهزون رؤوسهم بالموافقة] .

ـ جميع الشيوخ : الله الله .. أنت خليفة الإله .. فالأمر ما تراه .. والنهي ما تنهاه .

ـ شيخ السلطان : وعلينا الطاعةْ .. فأوامرك بنص القرآن مطاعهْ .. وأطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم .

ـ السيدة زينب : الطاعة في معصيةٍ يا شيخ السلطان .

ـ شيخ السلطان : أتردِّين على القرآن ؟

ـ السيدة زينب :

«تلاعبوا بكتاب الله فاتخذوا

 

 
  هواهم في كتاب الله قرآنا»

 

ـ شيخ السلطان : [يعلو صوته منفعلا] أتردين على الله ؟

ـ السيدة زينب : 

«أرى الدين من بعد يوم الحسين

 

 
  عليلا له الموت بالمرصد» ..

 

ـ شيخ السلطان : أستغفر الله ..

ـ السيدة زينب : هذا شيخ السلطان

من باع بثمن بخس آيات القرآن

واختلق أحاديثا ما نطق بها جدي العدنان .

[السيدة زينب تبعد نظرها عنه وتنظر إلى يزيد] .

ـ السيدة زينب : الذنب ليس ذنب شيخك .. الذنب ذنبك .. وهل تظن يا يزيد أننا .. وقد أسرتنا

بأن ربَّنا أذلّنا .. ونلت منه حُسنى .

ـ يزيد : أجل .. أجل .. فالله يعطي الملك من يشاء .. وينزع الملك ممن يشاء .. يعز من يشاء .. يذل من يشاء .

ـ السيدة زينب : تأويلك كذب وهراء .. هل رضى الله عن الفرعون عن النمرود .. هل غضب الله على أصحاب «الأخدود» .. هل غضب الله على المظلومين في شعب أبي طالب .

ـ يزيد : لكن ما نحن فعلناه .. عدل .. ها أنتم في الأغلال .. في الحسرة والإذلال .. لكني فوق العرش محاط بالإجلال .. بالجند .. بشيوخ السلطان .. وأرى الدنيا ملك يميني

«إنما لذة عيشي في غناء وكروم

 

 
  وجوار عطرات وسماعٍ ونعيم»

 

ـ السيدة زينب : [تقاطعه]

أيها النمرود لا تغترّْ .. حينما تبصر جندك .. وتذكر .. أن فرعون هلك .. أين عاد وثمود .. أين من كان على عرشك قبلك .

ـ يزيد : إنما الآن أتاني العرش والدنيا .

ـ السيدة زينب : هذه الدنيا التي تزهو بها .. سوف ترديك حطاما .. هذه الأرض التي تعلو بها .. سوف توريك عظاما .. فتمهل .. وتبصرّْ .

ـ يزيد : [مغتاظا]

من يأمرني بالمعروف .. وينهاني عن منكر .. أدخله حيَّا في القبرْ .

ـ السيدة زينب : احفر ما شئت لأهل البيت قبورا .. لن تسكنها أرواح الشهداء .. فهنالك هم في جنة خلد في العلياء .. أما أنت فلن تصبح شيئا مذكورا .. إلا في صفحات جهنم عارا وشنارا .

ـ يزيد : صهٍ .. صه . وإلا كان بطشي بك أكبر .

ـ السيدة زينب : أخذتك العزّة بالإثم .. فمأواك جهنم .. بعدما تأوي إلى ظلمة قبرك .. غارقا في دم شعبك .. دم أبناء نبيّك .. فتذكرّْ .. أن بطش الله من بطشك أكبرْ .

ـ يزيد : صهٍ .. صهٍ .

ـ السيدة زينب :

[أيها القاتلون ظلما حسينا

 

 
  أبشروا بالعذاب والتنكيل

 

كل أهل السماء يدعو عليكم

 

 
  من نبي وملاك وقبيل

 

قد لعنتم على لسان ابن داوود

 

 
  وموسى وصاحب الإنجيل]

 

ـ يزيد : صهٍ .. صهٍ .

ـ السيدة زينب : قلْ يا يزيد قلْ .. لماذا كل هذا الذلّ .. وهذا العنف .. لبنات رسول الله الأشرفْ .. أرَفعن بوجه يزيد السيفْ .. أرفضن البيعهْ .. زينب .. فاطمة .. وسكينةْ .. ورباب .. زوجته المسكينةْ .. ما الذنب .. وبأي جنايةْ .. إلا أنّا أهل رسول اللهْ .

ـ يزيد : [مغتاظا متعلثما]

صهٍ .. صهٍ .

ـ السيدة زينب : [تخاطب الحاضرين]

كبَّلتم بالأغلال «زين العابدين» .. فأين العابدون ؟ .. وكلكم منافقون .. خرجتُم عن طاعة الإلَه .. لطاعة الخليفة .. وتقتلون سيد الشهداء .. صائحين الله أكبر .. فصار الحق باطلا .. والباطل حق .

ـ يزيد : كفى .. كفى .

ـ شيخ السلطان : ما أمر به السلطان .. كان .. هذا هو قدر الله .. وعلينا الطاعة لا  العصيان .

ـ زينب : [في سخرية]

ومن أجل هذا استحق الحسين العقاب .. خرج عن الطاعة .

ـ شيخ السلطان : بخٍ .. بخٍ . بدأت تفهمين .

ـ السيدة زينب : بل كان حسين شهيد الحقْ .. مات شهيد الكلمة .. ليقيم الحُجّة .. ليقيم الدين الحقّْ .

ـ شيخ السلطان : قد عُدتِ للهراء والجنون ..

ـ السيدة زينب : أأوصى الكتاب بقتل الحسين الأبيّْ .. وقتلك آل النبيّْ .. فأين المودة في القربى .

[إنما حاربوا الإله وآذوا محمدا

 

 
  حينما حاربوا الحسين الممجدا]

 

ـ يزيد : [يقاطعها محتدا] لم نخطئ أبدا أبدا .

ـ السيدة زينب :

[وزياد يأتي في القبيح زيادة

 

 
  تركت «يزيد» يزيد في النقصان]

 

ـ يزيد : هذا جزاؤكم .. ماذا فعلنا بكم ؟

ـ السيدة زينب :

[ماذا ترى كانت الإفرنج فاعلة

 

 
  في نسل آل أمير المؤمنين عليّْ]

 

ـ يزيد : لن نسكت عنكم .

ـ السيدة زينب : اصنع أهراما بجماجم أهل البيت .. أهراما لك يا فرعون .. ستكون المدفن والتابوت لكم.. شيّدْ قصر المجد .. فعليك سينهدّ .

ـ يزيد: [في غيظ] صهٍ .. صهٍ .

ـ السيدة زينب : إنا جميعا تحت سيف الظالمين .. في موكب الأسر الحزين

لكن سنبقى قائلين : كَلاَّ وكَلاّ لن نلين .. لن نستكين

لسنا عبيدك إننا عُبَّاد ربِّ العالمين .

ـ يزيد : «زياد» عندما أهلك الحسين.. في كربلاء .. أهديته قصرين .. لكنكمْ .. ليس أمامكم .. سوى الصحراء .. فقد أمرت والي المدينة .. حرق بيوتكم .

ـ السيدة زينب :

[بنات «زياد» في القصور مصونة

 

  وآل رسول الله في الغلوات

 

سأبكيهم ما درّ في الأفق شارق

 

  ونادى منادى الخير بالصلوات

 

يا رسول الله أصبحن بلقعا

 

  وآل زياد تسكن الحجرات]

 

ـ يزيد : [في سخرية] ماذا تبغون .. يا ابنة الأكرمين .

ـ السيدة زينب : نبغي مصارع الكرام .. لا طاعة اللئام .

ـ يزيد : [ساخرا] إذا عليكم السلام .

ـ السيدة زينب : أتباعك ليسوا إلا فئران .. ترضعهم لبن الخوف .. ينتظرون رياح العنف .. فيختبئون  .. في سرداب العجز وأنفاق الرعبْ .. ودهاليز الزيفْ .. لكنّا أهل البيتْ .. لن نصبح كالفئران .. المذعورين .. لكنا نحن الشجعان .. مهما حدث ومهما كان .

ـ يزيد : فانتظروا البركان ..

ـ السيدة زينب :  قل ما شئتْ فلن نخشاهْ .. لسنا نخشى إلا اللهْ .

[كانت تخاطب يزيد ثم تتوجه بالخطاب إلى الجمهور]

«فيا أمة تاهت وضلَّت سفاهة

 

 
  فهبوا وأرضوا الواحد المتعاليا»

 

ـ شيخ السلطان : الفتنة ..

ـ السيدة زينب :

«ماذا تقولون إن قال النبي لكم

 

 
  ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

 

بعشيرتي وبأهلي بعد فرقتكم

 

 
  منهم أسارى ومنهم خضبوا بدم

 

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم

 

 
  أن تخلفوني بسوء في ذوي رحم»

 

ـ يزيد : الويل لكم .

ـ السيدة زينب : وحسين لن تضيع  دماه .. فسيأتي من يأخذ ثأره .

ـ يزيد : الثأر لمن ؟ ممن ؟

ـ السيدة زينب :

«سيدرك ثأر الله أنصار دينه

 

  ولله أوس آخرون وخزرج

 

أكل أوان للنبي محمد

 

  قتيل زكى بالدماء مضرج

 

أبعد المكني بالحسين شهيدكم

 

  تضيء مصابيح السماء فتسرج

 

لنا وعلينا لا عليه ولا له

 

  تسحسح أسراب الدموع وتنشج»

 

ـ يزيد : [يخاطب الموجودين بقاعة قصره ثم يتوجه بالخطاب للجمهور قائلا:]

هل ستثأرون ؟

[الموجودن بالقصر لا يردون ويظلون في لحظة صمت من الرهبة والخوف من يزيد]

ـ السيدة زينب :

«فإن أنتمُ لم تثأروا بإمامكم

 

  فكونوا بغايا أرضيت بقليل»

 

ـ شيخ السلطان : [يهب زاعقا] تلك هي الفتنةْ .

ـ يزيد : لن يسمع أحدٌ إلا ما قلتُهْ .. «إنْ أريكم إلاّ ما أرى» .. لن يفتح أحد فمهْ ..

ـ السيدة زينب : قَدّم الحسين نفسه الذكية .. ضحيَّةْ .. لفداء الأمةْ .. كي تصحوا من غفوة .. وسيدرك ثأر اللهِ .. أنصارُ دينهِ .. وسيأتي (التوابون) لثأر حسين

والآن .. فلنرفع في وجه يزيد السيفْ

كي لا يأتي من بعد يزيد ألفْ

ألفُ «يزيد» ويزيدْ ..

ـ نساء أهل البيت وصغارهن :

فلنرفع في وجه يزيد السيفْ

كي لا يأتي من بعد يزيد ألفْ

ألف «يزيد» ويزيد .

[موسيقى عنيفة]

[ستار]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.