رسالة المغرب: مصطفى ياسين
شهدت جلسات اليوم الثاني من فعاليات الملتقى العالمي للتصوّف فى نسخته التاسعة عشر، تحت الرعاية الساميّة لجلالة الملك محمد السادس- حفظه الله- الذى تعقده مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية، هذا العام تحت عنوان “التصوف ومآل القيم في زمن الذكاء الاصطناعي”، تفاعلاً كبيراً بين المحاضرين وحضور القاعة، تمثل في طرح الأسئلة، والحضور الكثيف، وطرح الحلول المناسبة والعلمية للمخترعات التكنولوجية، بما يضمن فائدتها للإنسانية جمعاء وعدم انحرافها السلوكى والأخلاقي.
الجلسات أقيمت فى كنف العارف بالله مولاي د. جمال الدين القادري بودشيش- رضي الله عنه- ورئاسة وحضور بِشَارة العارفين سيدي د. منير القادرى- رئيس مؤسسة الملتقى، مدير المركز الأورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم، نائب الطريقة القادرية البودشيشة، بـ”مداغ، ناحية بركان بالجهة الشرقية المغربية،
وسط كوكبة من علماء ومتخصصين وقادة فكر وروحيين من مختلف الجنسيات والأديان، وافتتحت بآيات الذكر الحكيم للشيخ “محمد علي جابين”، كبير المنشدين بالتليفزيون المصرى.
تقاطع المسارات
دارت الجلسة الثانية حول “التصوف والذكاء الاصطناعي.. تقاطع المسارات”, برئاسة د. خالد ميار الإدريسي، رئيس المركز المغربي للدراسات الدولية والمستقبلية، وافتتحها الشيخ محمد علي جابين، بآيات الذكر الحكيم.
وأفاض فيها د. احمد غانى، الاستاذ بجامعة سيدى محمد بن عبد الله، حول أسس التصوف وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي والعلاقة بينهما، مستشهداً ببعض المواقف السياسية والاقتصادية والعسكرية، مطالباً بضرورة التزام القيم الروحية والأخلاقية للتصوف فى تغذية أجهزة الذكاء الاصطناعي بالمعلومات والبيانات، حماية للمجتمع يأكمله من الانحرافات السلوكية والأخلاقية.
التصوف والورع
وقال الشيخ شافعى سيد، رئيس مجلس علماء الصومال: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البيهقي- في وصيته لأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ: “يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! كُنْ وَرِعًا، تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَكُنْ قَنِعًا، تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، تَكُنْ مُؤمِنًا، وَأَحْسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ، تَكُنْ مُسْلِمًا، وَأَقِلَّ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ”.
قال أَبو بَكْرٍ الرَّازِيَّ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْكَتَّانِيَّ يَقُولُ: «الْوَرَعُ هُوَ مُلَازَمَةُ الْأَدَبِ، وَصِيَانَةُ النَّفْسِ» وقيل: «هو اجتناب المحرمات والمشتبهات»
وقيل: «ترك الشبهة أو المباحات»
الورع، مقام سامٍ في سُلّم التصوف، وعمل قلبي من أعمال القلوب الموصلة إلى حضرة علام الغيوب.
إنه ثمرة طيبة تزرعها التربية الصوفية في النفوس، تجمع في طياتها أرقى الأخلاق وأسمى المعاني.
حقيقته تتجلى في اجتناب كل ما حرم الله تعالى، والتحرّج من الشبهة، والالتزام بالحلال.
كما يتضمن الصفح عن زلات الآخرين، والتماس الأعذار لهم، ومعاملتهم برفق ولطف.
أضاف “شافعى”: ذكر علماء الأخلاق الورع إلى أربع مراتب متدرجة، تفصل بين كل مرتبة وأخرى فجوة واسعة، يتبين فيها عمق التفاوت في مستوى التقوى بين الناس. فالورع يتفاوت بين الناس في مراحل:
-1 ورعُ التائبين: وذلك حين يمنع العبد إيمانه من ارتكاب المحرّمات خوفاً من المولى تبارك وتعالى أن تنطبق عليه صفة الفسق في دينه، واتّباع الشيطان، وهذا ما يسمّى بتقوى العامّ.
-2 ورعُ الصالحين: وذلك حين يمتنع عن اقتحام الشبهات خوفاً من ارتطامه في المحرّمات؛ لأنّ من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه، فيدع ما يريبه إلى ما لا يريبه، وهذا ما يسمّى بتقوى الخاصّ.
-3 ورعُ المتّقين: وذلك حين يبتعد عن المباحات خوفاً من أن تجرّه إلى المحرّمات والمكروهات كمن يتوقّف عن ذكر أحوال الناس المباح خشيةً من أن يجرّه إلى الغيبة المحرّمة، وهذا يسمّى بتقوى الخاصّ الخاصّ..
-4 ورعُ السالكين: يكون حينئذٍ قد توحّدت غاياته في غاية واحدة، والتقت أهدافه في هدف واحد، هو ذكر الله تعالى والعمل بما يحبّه الله تعالى، فيتجنّب كلّ خوض في غير ذلك الله، ويستغفر من كلّ لذّة ليس فيها اسم الله، ويمتنع عن كلّ سعي إلاّ ما يحبّه الله تبارك وتعالى له. فهي وإن كانت مباحة لا يخشى أنّها تجرّه إلى المحرّمات، ولكن فلسفته في الحياة المستمدّة من إيمانه العميق تزهّده في كلّ أمر لا يؤدّي إلى الغاية التي من أجلها خلقه المولى وبها امتنّ عليه.
فكلّ حديث غير الله عزّ وجلّ يعدّ عنده لغوٌ فارغ؛ لأنّه لا يحقّق الهدف الأسمى الذي يسعى لتحقيقه، أو لأنّه يحجبه عن محبوبه الذي لا يرغب أن يحجبه شيء عنه، وكلّ حركة وسكون في غير ما يحبّ الله فضول لا يرضاه لنفسه، وهو يأخذ نفسه بالجدّ والحزم في اُموره كلّها.
كفايات التصوف
وجاءت الجلسة الثالثة بعنوان “كفايات التصوف ودورها في تعزيز الاخلاق وتحصين الذكاء الاصطناعي”، برئاسة د. عبداللطيف شهبون، استاذ التعليم العالي بجامعة عبدالمالك السعدى بتطوان، واستعرض فيها د. محمد الهاطى، استاذ التعليم العالي بجامعة محمد الأول بوجدة، علاقة الذكاء الاصطناعي وذوى الهمم.. نحو مدخل أخلاقى يضبط العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا، واستكمل خلفه د. محمد أمين الغويلى، عضو المجلس المحلي بمراكش، متحدثا عن آفاق إسهام التربية الصوفية في تحصين القيم وتخليق الذكاء الاصطناعي.
وتحدث د. ابراهيم حدكى، رئيس المجلس العلمى المحلى لكميم، عن التحصين الأخلاقى.. مدخل للتصنيع والوقاية من مزالق الذكاء الاصطناعي.
وختمت الجلسة بفقرة مديح للفرقة البودشيشية. ثم استكملت الجلسات بالرابعة، بعنوان الزوايا الصوفية.. معالم التدين الرشيد في مسلك التصوف المغربي السديد، برئاسة د. حكيم فضيل الإدريسى، رئيس المجلس العلمى المحلى بالدار البيضاء سابقا، وتحدث فيها كل من: عبدالله الشرقاوى، مقدم الطريقة الدرقاوية بجنوب المغرب، محمد المهدي منصور، ممثل الزاوية العليوية الشاذلية، محمد علي عطفاى، ممثل الزاوية التيجانية وعضو المجلس العلمي المحلي سابقا، عبدالمغيث بصير، ممثل الزاوية البصيرية، رئيس المجلس العلمى المحلى ببرشيد، دكتورة مسيرة لطفى، باحثة فى القرآن وعلومه بالرباط، عن التربية الدينية في زمن الذكاء الاصطناعي.. الواقع والمأمول.