الكاتب الصحفي عصام عمران : الثقافة .. بين الصناعة والاستثمار
تمثل الثقافة عمود الخيمة أو حجر الزاوية بالنسبة للقوة الناعمة فى أى دولة بصفة عامة وفى مصر على وجه الخصوص لما تمتلكه من مقومات وروافد متعددة للفكر والإبداع بشتى انواعه وأشكاله عبر عشرات السنين ولن ابالغ إذا قلت آلاف السنين فمنذ العصور الفرعونية وحتى الآن كان ولا يزال الإبداع المصري في المقدمة ومحط أنظار العالم قديما وحديثا.
بالأمس القريب عقد الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء اجتماعا أراه مهما مع الدكتور أحمد هنو وزير الثقافة تم خلاله بحث ومناقشة الطرق والوسائل المثلى للاستفادة من هذا الإرث الثقافي والإبداعى المصري في تنمية الوعى لدى المواطنين أو ما أطلق عليه الوزير ” هنو ” الاستثمار الثقافى ، الأمر الذى ذكرني بالعبارة أو الوصف الشهير الذى أطلقه الفنان فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق ” صناعة الثقافة ” مؤكدا أن دور الوزارة يتمثل فى صناعة المحتوى الثقافى وتقديمه للمتلقى دون انتظار العائد المادى الذى يأتى فى مرتبة متأخرة بعد نشر الفكر والابداع والنهوض بثقافة المجتمع.
كان الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، قد التقى مؤخرا مع الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة،
لاستعراض الرؤية المقترحة لتعزيز الاستثمار الثقافي ، مؤكدا أهمية الرؤية المقترحة لكونها تُعزز الاستفادة من
الأصول الثقافية للدولة، من الفنون، والتراث، والصناعات الإبداعية وغيرها، لتحقيق عوائد اقتصادية واجتماعية تنعكس
على جهود التنميةالمستدامة وبناء الإنسان.
دكتور مدبولي طلب العمل على تكثيف الفعاليات الثقافية والفنية على مدار العام، وفي كل المحافظات، بما يسهم
في تعزيز الانتماء والهوية لدى المواطنين لاسيما الشباب.
من جانبه كشف وزير الثقافة أن الرؤية التي وضعتها الوزارة للاستثمار الثقافي تتسق مع مُحددات خطاب تكليف
الرئيس السيسي ، للحكومة ، وما تضمنه من توجيهات تولى اهتماما بالغا ببناء الإنسان، مؤكدا أن النموذج الأمثل
والمستهدف لتحقيق الاستثمار الثقافي يقوم على الشراكة الفاعلة بين الحكومة، والقطاع الخاص، والمجتمع
المدني، وفق أهداف عامة تشمل تطوير آليات التمويل والتسويق، والاستثمار الثقافي بمفهومه الشامل.
و رؤية الاستثمار الثقافي وفقا لما طرحه دكتور هنو خلال الاجتماع تستهدف على وجه التحديد تعزيز الصورة
الحضارية لمصر كمُصدر للثقافة والفنون إلى العالم منذ آلاف السنين، مع السعي من أجل زيادة التشغيل وتوفير فرص
عمل من خلال برامج ريادة الأعمال الثقافية والابداعية وبرامج الصناعات الثقافية، إلى جانب زيادة مساهمة القطاع
الابداعي في الناتج المحلي الاجمالي المصري، علاوة على توفير تمويلات من مصادر مختلفة وغير نمطية تدعم
جهود الوزارة في أداء مهمتها ودورها في بناء الإنسان المصري، إلى جانب جهود مؤسسات الدولة الأخرى المعنية
بهذا الأمر .
دكتور هنو حدد عدة محاور يمكن من خلالها تنفيذ الرؤية المقترحة للاستثمار الثقافي تتمثل فى الاستغلال الأمثل
للأصول الثقافية، المادية من منشآت ومراكز ومقار، وغير المادية من إصدارات وتسجيلات موسيقية وإنتاج فني،
وتدشين منصة “تراث مصر الرقمي”، بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات التي يتم العمل على تنفيذها
حالياً، مع العمل على توفير مصادر تمويل جديدة ومستدامة، من خلال تحويل المنتج الثقافي إلى مُنتج مُميز جاذب
لتمويل المانحين ودعم الرعاة، وكذلك بناء شراكات دولية مع مؤسسات ثقافية وتنموية عالمية، تستهدف إقامة
أحداث وفعاليات ثقافية مشتركة تجذب تمويلات ضخمة.
وضع وزير الثقافة عنصر التسويق، ضمن اهم مقومات نجاح تلك – التجربة ان جاز التعبير – وذلك من خلال اتباع آليات
جديدة ومبتكرة للتسويق للإنتاج الثقافي المصري بمختلف أنواعه، من كتب، ومنتجات حرفية وتراثية، وخدمات
مختلفة، وعلى رأسها أدوات التسويق الرقمي، والعمل على التسويق لمصر كوجهة عالمية لتصوير الأعمال الدرامية
العالمية، واتخاذ الاجراءات التي تدعم هذه الخطوة، مع تدريب العناصر البشرية لتكون مؤهلة لآليات التسويق الحديث.
ختاما أؤكد أن الرؤية الحديثة للاستثمار، تقوم على عمل قطاعات الوزارة بطريقة تكاملية تتيح خبرة مجمعة للعملاء
المستهدفين، بطريقة تعظم وتعزز الموارد وذلك من خلال الاستغلال الأمثل لأنشطة وأصول كافة قطاعات الوزارة .
فى النهاية يبقى السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، هل يستطيع دكتور أحمد هنو إعادة تجربة فاروق حسني في وزارة
الثقافة التى يراها الكثيرون أنها من انجح التجارب أو الحقب الزمنية التى مرت وزارة الثقافة المصرية خاصة وأن هناك
رابطا يجمع حسني وهنو ، فكلاهما فنان تشكيلى؟! الأيام والشهور المقبلة هى وحدها التى ستجيب على هذا
السؤال خاصة وأن دكتور هنو تولى الوزارة قبل مائة يوم تقريبا فى حين مكث فاروق حسني على رأس وزارة الثقافة
قرابة ربع قرن من الزمان .