الدكتور علاء رزق يكتب : قادرون بالحكمة (١)

الدكتور علاء رزق
تحت شعار من أجل الوطن والمواطن، وبناء جمهورية جديدة تتسع للجميع، في ظل تحديات إقليمية وعالمية.عقد الحوار الإقتصادى جلساته المتخصصة كبداية لمرحلة جديدة أبرز ملامحها ،مساحات مشتركة،
من أجل الوصول إلى مخرجات جدية تخدم الوطن والمواطن،وذلك استجابة لدعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي.الذى ضرب المثل أول أمس خلال إحتفالية قادرون بإختلاف في نسختها الخامسة في التأكيد على مواصلة الدولة منهجها الثابت، المعتمد على النظرة الإنسانية الرحيمة للفئات الأضعف بالمجتمع، كفرصة لتدبر عظمة الله وقدرته في خلقه،وكفرصة للتفكير فيما يجب أن نفعله، وكيف نفعله، وكفرصة للتلاحم بين الجميع،
حتى نستطيع تقييم المسارات المعدة أو المفروضة بالكيفية التى تضمن تشخيص الأزمة وعرض بدائل الحل، وهو ما نتمناه خلال جلسات الحوار الإقتصادى التى تضمنت جلسات هامة عن هيكل وعجز الموازنة، وسبل التعامل مع الدين الخارجي ،وكيفية زيادة الإيرادات العامة للسياسة الضريبية.
نعلم جميعاً أن عملية تحول الإقتصاد المصري من اقتصاد موجه، إلى إقتصاد مفتوح يعتمد اعتماداً كبيراً على قوى السوق والمؤشرات السعرية الناتجة عنه، وهو ما ألقى بظلاله على إدارة القطاع المالي للحكومة من جهة والسياسات النقدية من جهة أخري.
وهو ما يجعلنا ننظر إلى أن نجاح السياسة المالية يعتبر معياراً للحكم على سلامة الإقتصاد وقدرته على جذب رؤوس الأموال بشقيها المولدة وغير المولدة لأعباء.
فعلى مستوى العالم يقدر الناتج المحلي الإجمالي للعالم لعام 2023 بـ104.4 تريليون دولار، بينها 43.5 تريليون دولار نصيب الأسواق الصاعدة والإقتصادات النامية، التي تنتمي لها دول مجموعة بريكس.ويقدر إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للدول الـ6 المنضمة لـبريكس بـ3.11 تريليون دولار،
بينما وصل مجموع الناتج المحلي الإجمالي لدول بريكس الـ5 الأولى في 2023 بـ25.78 تريليون دولار، ما يعني أن الـ11 دولة تمتلك ناتجا محليا إجماليا يقترب من ثلث الناتج المحلي الإجمالي لجميع دول العالم.وفى المقابل تخطى حجم الدين العام حاجز ال 313 تريليون دولار نصيب الدول المتقدمة أكثر من 65% والباقى للدول النامية.
الأمر الذي يشير إلى تضاعف الدين كنسبة إلى الناتج، والملفت للنظر إستمرار إرتفاع نسب الدين العالمي إلى إجمالي الناتج المحلي لعقود من الزمن قبل الجائحة. وتضاعف الدين العام العالمي ثلاث مرات منذ منتصف سبعينات القرن الماضي والملفت للنظر أيضاً أنه في الاقتصادات المتقدمة، بلغ الدين العام مستويات غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية.وفي الأسواق الصاعدة،
تراكمت الديون إلى مستويات لم نشهدها منذ أزمة الدين في الثمانينات. وهناك 40% من الدول منخفضة الدخل بلغت مرحلة المديونية الحرجة،مما يمكن معها أن يحدث اضطراباً كبيراً في النشاط الاقتصادي. كما أنه من الملفت للنظر أيضاً أن العوامل الجيوسياسية برزت بسرعة بإعتبارها مخاطر سوقية هيكلية،
حيث أثار التشرذم الأعمق مخاوف بشأن الإنضباط المالي في جميع أنحاء العالم، وقد يؤدي تسارع الصراعات الإقليمية إلى زيادة مفاجئة في الإنفاق الدفاعي.
وعند مقارنة مصر بدول العالم خاصة الناشئة،نجد أن الدول ذات الإقتصاد الناشئ يتراوح نسب الدين مابين 100٪من الناتج إلى 150٪.
وبالنظر للحالة المصرية نجد أن الدين العام بشقية المحلي والخارجي مازال فى الحدود الآمنة حيث تبلغ نسبة الدين
الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 37٪ ، ونحو 85٪ بالنسبة للدين الداخلى ،
وهى نسب مازالت أقل من 150٪ كمتوسط متعارف عليه. وفى السياق ذاته، عندما تصل قيمة الناتج المحلي إلى
10 تريليونات جنيه (400مليار دولار تقريباً)، فإن إجمالي الدين الخارجي الحالي يمثل ثلث الناتج المحلى،أى أن الدولة
المصرية قادرة على السداد.
ولكن يتضح أن ارتفاع خدمة الدين العام الذي يستحوذ الدين المحلي على الحصة الكبرى منه،بالتزامن مع اتباع
سياسة نقدية انكماشية إعتمدت على رفع سعر الفائدة وربط الفائدة بالبنوك مع الفائدة على أذونات الخزانة.
فالمعضلة الحقيقية في أزمة الدين العام، هي أعباء خدمة الدين.
حيث بلغ حجم المخصصات لبند الفوائد في موازنات العامة ما يعادل 37,4% من المصروفات العامة للسنة المالية
الجديدة، وهو ما يعني أن الدين العام لن يتوقف عن النمو طالما كان هناك عجز في الموازنة، وبصورة عامة كلما كان
الدين العام كبيراً كلما زادت مدفوعات الفائدة.اما بالنسبة للدين العام الخارجي
فقد تتمثل الخطورة الأساسية فى تقارب آجال الدين خاصة وأن ما طرأ على السياسات النقدية الدولية وبخاصة الدول
الكبري دفع بتخارج رؤوس الأموال الساخنة والتى تقدر بنحو 22 مليار دولار خلال الربع الأخير من العام المالى
2021/2022 وهو ما تسبب فى حالة من الإرتباك قصيرة الأجل
فالدين الخارجى طويل الأجل يمثل 83.3% من إجمالي قيمة الدين، فيما يستحوذ الدين قصير الأجل على 16.7%
من إجمالي قيمته، الأمر الذي يشير إلى الطمأنة قدر الإمكان تجاه الإلتزامات قصيرة الأجل .كما أن الدين الخارجى
المصري يتوزع بنسب تتراوح ما بين 65% دولار أمريكى ونحو 15.7% وحدات السحب الخاصة، ونحو 10.9% عملة
اليورو فيما تتضاءل العملات الأخرى مساهمة فى رصيد الدين الخارجى.
ومن خلال الإطلاع على النماذج التنموية العالمية ندرك أنه ليس كل الدين سيئاً. فالإقتراض يمكنه بالفعل تمويل
الإستثمارات الحيوية في البنية التحتية والصحة والتعليم وغير ذلك،ويؤدي الإستثمار في الطاقة الإنتاجية إلى تحقيق
دخل أعلى يمكن أن يعوض تكلفة خدمة الدين.
وقد ساعد بعض الإرتفاع في الدين، وخاصة في الاقتصادات المتقدمة، على دعم النمو في أعقاب الأزمة المالية
العالمية وتجنب حدوث نتيجة أسوأ.
ولكن تنشأ الازمة حين يكون الدين مرتفعاً بالفعل والموارد المستمدة من القروض الجديدة لا تنفق بحكمة (وذلك
لأسباب منها الفساد وضعف المؤسسات)،وهنا نؤكد على أن كفاءة سياسة الدين العام تعتمد على تنويع مصادر
الاقتراض، سواء تنويع العملات أو الدول المانحة.
وحتى نستطيع وضع أفضل السبل لمواجهة إرتفاع الدين الخارجى فى مصر ، فإنه يجب على المجموعة الاقتصادية
المصرية التعرف وبعمق على أسباب هذا الارتفاع.
وهو ما ستناولة فى المقال القادم إن شاء الله
كاتب المقال رئيس المنتدى
الإستراتيجى للتنمية والسلام
Alaarizk2024@hotmail.com
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.