عبد الناصر البنا يكتب : روح .. الروح !!

عبد الناصر البنا – الفضائية المصرية

من بين عشرات ومئات ، بل وآلاف القصص والحكايات التى تدمى القلوب والتى تٌحكى لنا وتتناقلها وسائل الـ إعلام والتواصل الإجتماعى والـ Social Media عن أهوال وفظائع قوات الإحتلال الإسرائيلى الغاشم على قطاع غزة والأراضى الفلسطينية المحتلة ، تبقى قصة الطفلة ريم أو ” روح الروح ” واحدة من القصص التى تمس شغاف القلب ، وتدمى العيون قبل القلوب .

ريم التى يلقبها جدها ب ” روح الروح ” طفلة فلسطينية من قطاع غزة لايتجاوز عمرها الخمس سنوات ، إغتالت براءتها مثل آلاف الأطفال من أبناء قطاع غزة المحتل ، يد الغدر أثناء العدوان الإسرائيلى على القطاع ، إنتقاما لعملية ” طوفان الأقصى “التى نفذتها المقاومة الفلسطينية فى السابع من أكتوبر الماضى .

مشاهد مؤلمة تناقلتها وسائل التواصل الإجتماعى لجد الطفله ” ريم ” روح الروح فى وداع الطفلة الشهيدة مشهد الجد وهو يودع حفيدته تحركت له مشاعر سيدة أجنبية وجعلها تبكى بحرقة ، وفى مقطع فيديو مصور توصف السيدة الأجنبية مشاعر الحزن والأسى على فراق الطفلة الفقيدة ” ريم ” ، وبعيون تملؤها الدموع ، دموع الإنسانية والشفقة والرحمة والتى لاتخلو من الحزن والأسى تقول السيدة :

إستقبلت مشهد الجد وهو يهدهد حفيدته المتوفاه ، بكل مشاعر الحزن والأسى ، ولسوف يظل هذا المشهد مشهد الطفلة ” ريم ” مستقرا فى مخيلتى ووجدانى لطالما حييت ، ولن يفارق خيالى أبدا ، وسوف يطاردنى حال يقظتى ومنامى ، وأنا أرى مجموعة من الناس تجهز الـ ” أكفان” للأطفال الذين قتلوا ، وبجانبهم ، أرقب هذا الذى يقف هناك ويحمل طفلة ليغمرها بكل هذا الحب والحنان ، ويمسح بلحيته على جبينها ، أنا لا أشك فى أن هذا هو ما إعتاد أن يداعبها به ، إنها تحبه وهو يحبها ، هو يدرك هذا ، ولذا هو يحملها ويقربها منه ، وكأنما يتحدث معها ، يهمس لها ، أرقبه وهو يحملها ويقربها منه ويعود بها للوراء ، ويعيدها إليه مرة ثانية ، ويقبل عينيها ، كان يهزها تماما كما كان يهدهدها ، هو يحاول أن يوقظها ويهمس إليها ، كان الرجل يبتسم فى مرارة ،

وبأسى وصوت متقطع تصف السيدة مشاعرها فى اللحظة التى يسلمها لكفنها وتقول : وإبتسم ثم ترك ” روحه” ، وراقبها وهو تلف فى كفنها .. إسمها ” ريم ” واحده من أكثر من 4000 طفل فلسطينى من بين عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين إغتالتهم إسرائيل بدم بارد ، دون ان يهتز للعالم شعرة ، تقول السيدة : اتمنى لو أنى أعرف أسماءهم جميعا ، لن أنسى أبدا هذه اللحظة ، لن أنسى أبدا .. وتختتم رسالتها مستنكرة ، ما الذى أصبحنا نحن عليه ، وكأنما تخاطب بقلب الأم المكلوم ضمير الإنسانية الغائب طواعية أو كرها !!

وفى مشهد آخر يحكى الجد ” بو منذر نبهان ” من أهالى مدينة غزة المكلوم فى حفيدته ويقول بأسى ” ريم” حبيبة

قلبى ، بنت بنتى ، وساكنه عندى ، وإحنا ساكنين كلتنا فى بيت واحد ، آدى كل يوم حياتى وروحى وعشقى ، وكل

لحظه ، كل لحظه ، بتكون فى حضنى هى وطارق . ” طارق ” .. طارق مات معها ، كان نفسى أصوره طارق معاى ،

وبأسى يقول : طارق وريم ، وقد إمتلأت عينه بالدموع ، بس ريم أقرب إلى ، ولدت بنفس تاريخ ميلادى وبنعمل لها

عيد ميلاد ، كل يوم تقولى قبل ما تموت ، تقول لى ” يو يو ” ، إسمى ” يو يو ” عندها ، تعالى نلعب وناكل موز ، تاكل

بطيخ يا يويو ، قبلنى من وجهى ، وأقبلها من وجهها ، بس بصوت متهدج ماتت !!

بقيت أحكى لها إصحى .. إصحى ياحبيبتى إصحى ، وحسيتها نايمه ، بس ماتت ، حضنتها ، كل يوم عندى تصحينى

م النوم الصبح والضهر والعصر ، تجيب لى حاجات ، تقول : طششنى ، أطششها ع البسكليت نروح أفرجيهم ع

المدارس كيف الناس فى معاناتها ع المدارس ، شفتها هى وطارق نايمين ، نايمين بين آلاف الجثث ، وبيده يشير ،

نايمين هنا بين أكتر من ” ١٠٠ ” جثه ، لقيتهم يعنى كلهم ” غبره ” ونايمين ، حسيت أنهم نايمين ، إصحى ياريم ،

إصحى ياطارق ، إصحى ياريم نايمين ، ياحبيى نايم

وبإبتسامة يملؤها الحزن والأسى يقول : عملت لها “عقصة” شعرها عقصتين ، دايما هى تحب تعمل العقصتين ،

وبقى شعرها مفلول ، وبقلب يحترم شوقا ولوعة يقول الجد : ياباى .. هى ” روح الروح ” أصلا ، هى ريم روح الروح ،

ريم هذى روح الروح ، كنت مستنى نعمل عيد ميلاد فى 23 إتناش أنا وياها ، هالحين مش هعمل ، وبنفس المرارة

يقول : مستحيل هعمل ، أعمل إلىً بدونها (لا) .. ويتضرع الجد المكلوم إلى ربه خاشعا فى دعائه .. المشتكى إلى

الله بس ، الله هو وحده إللى يعلم مدى الحزًن والحسرة ، والله عز وجل هو الذى سينتقم ، وأسأل الله جل وعلا

بصفاته العلا وكلماته التامات أن يجعل دماء ” ريم روح الروح ” ودماء ” طارق ” ودماء كل الشهداء إللى قتلوا لعنة على

إسرائبل وأمريكا وحلفاؤهم .

وتعود بالجد الذاكرة ليبث لقطات مصورة تؤكد لحظات المرح والحب التى جمعت بين الجد وحفيدته التى ملكت

شغاف القلب ، ريم والله إبنه موت ، جاء فى مقاطع الفيديو وهى تأتى إليه مسرعة من بين واحة غناء تحيط بها

أشجار النحيل والزيتون يتلقفها الجد من بيديها ويختطفها من الأرض ويرفعها لأعلى وهى تضحك ببراءة الأطفال ،

تلتف يديها حول رقبته ، تداعب لحيته ، وهو يهدهدها ، وتخمش بيدها لحيته وتشدها ، وهو يمسك بشعرها ويشده

ليرى من الذى يترك الأول ، مشاهد تنتزع الدموع من عينيك ، تأتى المبادرة منها وتترك أناملها الرقيقة لحيته فيترك

بدوره جديلة شعرها ويستغرقا فى نوبة من الضحك طويله .

فى لحظه مباغتة تحول هذا الواقع الجميل إلى” كابوس ” مرعب بعد أن ماتت ريم ، وسط ركام البيت الذى قصفته

قوات الإحتلال ، وأصبح ركاما يقلب بين جنباته بحثا عن بقايا ذكريات ودمى وعرائس كانت تلهو بها ريم يمسك

عروسة يقبلها وهو يهمس ورائحة ريم عالقة بها وكأنما تركتها للتو ، يضم اللعبة إلى صدره ويطلق تنهيدة طويلة جدا

جاءت كأنها تنهيدة تنين ، يحمل أشياء أحفاده من بين الركام ، يتفقد أماكن نومهم .

وفى تقرير لـ CNN التى تناست وزورت وروجت لكذب الرواية الإسرائيلية ومزاعم إسرائيل حول جرائم إغتصاب

إرتكبتها المقاومة ، ورؤوسا لأطفال مقطوعه وغيرها من ” إفك” الآله الإعلامية الإسرائيلية التى روجت لها فى

وسائل إعلام الغرب ، وخدعوا العالم بها ، وأن اليهود الصهاينة كانوا يدافعوا عن أنفسهم ، وتناسوا أن من قتل ونال

الشهادة فى عدوان إسرائيل الأخير على قطاع غزة ، فاق عشرات المرات أعداد القتلى الذين قضوا نحبهم منذ

عدوان عام 1948 .

تحكى الأم الثكلى وبعين زائغتين وبأسى بعد أن نجت من الموت بأعجوبة، تحكى لمراسلة الـ CNN عن لحظات

الموت التى أفاقت منها لتجد أبناءها وقد إمتدت إليهم يد القدر وينالوا الشهادة .. والله إن القلب إنفطر على الجد وهو

يشكو ضعفه وهوانه إلى الله وهو يحمل أمتعة أحفاده من بين أطلال البيت الذى أصبح ركاما .. حسبى الله ونعم

الوكيل .

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.