هل يموت الفلسطينيون من القنابل أم يموتون من النسيان والتجاهل ؟
لو رجعنا لأوضاع الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية .. او الفلسطينيين المشردين في كل أصقاع العالم قبل السابع من أكتوبر لوجدنا أن شعورهم العام هو اليأس المطلق من أي حل لقضيتهم كشعب تحت الإحتلال والقهر والقمع الدائم لقوات الإحتلال ..
باختصار حياتهم تحت الإحتلال كانت تتلخص في عبارة واحدة من كلمتين : العقاب الجماعي ..
فقوات الإحتلال المدججة بالسلاح تجوب شوارعهم ليل نهار .. وتمنعهم من الحركة خارج المساحة المحددة لهم .. بل تمنعهم من التصدي لجرائم المستوطنين المتعصبين واستفزازاتهم المتكررة .. وتمنعهم أيضا من أداء صلواتهم في الأقصى أو أي مكان يريدونه ..
كما تقوم سلطة الإحتلال بعقاب جماعي لأسرة أي شاب يقوم بعمل فدائي ضد سلطة الإحتلال ..فتقوم بهدم كامل بيته فوق رؤوس أسرته وتشريدها في الشارع بكهولها وأطفالها ..
وعادة ما تلجأ سلطة الإحتلال إلى تسكين الرعب في قلوب الفلسطينيين المسالمين بالتفتيش العشوائي للبيوت أو إلقاء القبض على الفتيان والفتيات والشبان دونما سبب واضح .. اللهم إلا زرع الرعب والفزع في قلوب الأباء والأمهات على أبنائهم لفترات تطول او تقصر .. ثم تعود إلى اطلاق سراحهم بعد أن تكون قد زرعت الرعب من السجون والمعتقلات في روع الشبان الصغار .. وتخويفهم من سلطة وقبضة الإحتلال .. وزرعت في نفوس أهلهم رقيب داخلي من الخوف على الأبناء وما قد يفعلونه في المستقبل ..
وكلها وسائل وقائية تلجأ لها السلطات الغاشمة المستبدة في أي مكان في العالم .. وفي كل زمان .. لبث الرعب والخوف ومنع المعارضة والثورة .
وماذا عن غزة ؟
اللافت للنظر أن كثير من أحرار العالم تحدث عن غزة باعتبارها معسكر تعذيب وتجميع كبير مفتوح على السماء .. تشبهاً بمعسكرات التجميع التي أقامها النازيون لليهود وغيرهم في الحرب العالمية الثانية .
والخصائص المميزة لتلك المعسكرات هو التكدس والزحام .. وانعدام او قلة وسائل الحياة الإنسانية الكريمة .
فسكان المعسكر محاصرون من الخارج .. حيث تتحكم سلطة الإحتلال فيما يدخل ويخرج من بشر أو سلع وبضائع .. وتخضعها للتفتيش الدائم بدعوى الخوف من دخول الأسلحة .
وقد لا يعلم الكثيرون أن سلطة الإحتلال تجبر الفلسطينيين على مرور البضائع والمنتجات للعالم من خلال الشركات الإسرائيلية في النقل والتأمين والموانئ الإسرائيلية .. وتستقطع منها الضرائب في الإستيراد وفي التصدير .. وتحصل من ذلك أموال طائلة .. حتى أشتهر تعبير : أن كل دولار يكسبه الفلسطينيون من تصدير منتجاتهم للخارج تحصل إسرائيل على ثلاثة دولارات من وراءه عبر شركاتها للنقل والتأمين !! .
وحسب اتفاقيات أوسلو كان من المفترض أن تدفع سلطة الإحتلال للسلطة الفلسطينية جزءً من أموال هذه الضرائب للصرف منها على الشؤون والأشغال المدنية بالأراضي الفلسطينية .. ولكن سلطة الإحتلال الغاشمة كانت تتذرع بأي أحداث عنف او تظاهر لمعاقبة الفلسطينيين عقابا جماعيا ومنع تلك الأموال عنهم .
الأدهى والأنكى , أنا حرب غزة قد كشفت لنا عن أن سلطة الإحتلال هي من يتحكم في دخول الماء العذب للسكان .. وهي من يتحكم في دخول الوقود لتوليد الطاقة .. وهي من يتحكم في شبكات الاتصالات الخليوي ..
أي باختصار : تستطيع سلطة الإحتلال إعادة سكان أي منطقة فلسطينية تحت الإحتلال للعصور البدائية بمجرد قطع هذه الأشياء عن السكان ..ببساطة هكذا .. وكإجراء عقابي جماعي ..
وقد حدث أمام أعيننا وشاهدناه وعايشناه .
أما قصف وتدمير بيوت الفلسطينيين بالقنابل المهلكة وإبادة الأطفال كل عدة سنوات .. فتلك ممارسات دورية تلجأ لها سلطة الإحتلال من وقت لإخر لمعاقبة الفلسطينيين في غزة أو الضفة وزرع الخوف ومواجهة القنبلة السكانية أو ” جز العشب ” كما سماها نورمان فنكلشتاين الفيلسوف الأمريكي التقدمي .
فإذا أضفنا إلى كل هذا تدني مستوى الخدمات وتكدس السكان في مساحة صغيرة من الأرض ..وتقلص فرص العمل للكبار وللشباب .. واعتماد بعض الأسر على المعونات التي يرسلها لهم أبناؤهم في الخارج ( مع ملاحظة أن سلطة الإحتلال تتحكم أيضا في عملية دخول وخروج الأموال عبر بنوكها هي .. وبدعوى الخوف من دعم الإرهاب )..
وقد لا يعرف الكثيرون أن سلطة الإحتلال كثيرا ما منعت دخول العمال الفلسطينيين إلى أراضيها للعمل تحت مبررات واهية ..ناهيك عن المعاملة القاسية التي يلقاها هؤلاء العمال في الحصول على تصاريح للعمل والدخول إلى الأراضي التي تسيطر عليها دولة الإحتلال منذ عام 48 وبعد عام 67 ..
وقد لا يتصور البعض حجم المعاناة والتفتيش والإهانات التي يلقاها العمال الفلسطينيون ويتعرضون لها يوميا على حواجز المرور الإسرائيلية في الذهاب إلى أعمالهم صباحا والعودة إلى بيوتهم مساء ..وليس خافيا أن هذا الوضع المزري للعمال الفلسطينيين يشكل بيئة مثالية لسلطات الإحتلال لتجنيد عشرات العملاء والجواسيس من ضعاف النفوس !!
وفي السنوات الأخيرة لجأت سلطات الإحتلال إلى استبدال العمال الفلسطينيين بعمال من دول أسيوية .. وبذلك فقد مئات وألاف من الأسر الفلسطينية مصدر رزقها الوحيد ..
يا ولدي : هذا هو الإحتلال ؟!
وهكذا تحولت غزة إلى منطقة من أفقر مناطق العالم وأكثرها غرقا في الضياع واليأس .
لكن إلى ماذا يؤدي الضياع واليأس يا ولدي ؟!