الكاتب الإعلامي محمود عبد السلام يكتب : شعب “محفوظ ” 

الكاتب الإعلامي محمود عبد السلام
عندما حانت اللحظة الفارقة فى حياة أى إنسان ، لحظة الانتقال من عالم الدنيا إلى عالم السماء ، عندما صعدت روح محفوظ ،صعدت معها أحزان وآلام ملايين المحبين فى جميع أركان المعمورة من الذين احبوا فن واحد من اهم مبدعى الرواية على وجه  البسيطة ،
المقارنة بين محفوظ وبين من كتب الرواية فى العالم العربى ظالمة لان المقارنة لا تحدث إلا بين أنداد ،
لقد عاش محفوظ حياة أدبية حافلة وحياة انسانية راقية ، لم يقف محفوظ عند حافة الحياة يتأمل ، بل نزل إلى بحر الحياة وعارك الأمواج وخرج سليما معافا عند الشاطئ الآخر من الإبداع ، يسكن فى قصره المنيف حوله شعب من أبطاله ، كان يعيش بين السيد احمد عبد الجواد ،  وأحمد عاكف ، وبين سيد سيد الرحيمى وزهرة ،
ترك شعبه على ضفاف النيل يثرثرون ليصنعوا اساطيرهم الخاصة ، اساطير روائية  منحتنا ، الرؤية وكشفت عن المخبوء فى حياتنا ،
اساطير عاشت بين جنبات الوطن ملئت حياتنا فكراً وتاملا ، محفوظ الحارة التى مثلت له
العالم الكامل المحفوظى ، الحارة التى جمعت بين الفتوة والمساكين والفقراء والدراويش والمثقف والجاهل والمعَلّْم
والمُعْلْم وبين العاهرة والفاضلة وبين السياسة والمجتمع وبين الوطن والوطنى والخائن وبين الموظف الشريف
والمرتشى ، انه عالم محفوظى بامتياز تقلب فيه محفوظ بين الرواية التاريخية والرواية النفسية والواقعية والواقعية
الاجتماعية واختتم مسيرة حياته بالتاملات الفلسفية ، انه شعب محفوظ الذى سار خلف جنازته التى اوصى ان تخرج
من مسجد سيدنا الحسين ، هذا المسجد الذى يقبع حارساً روحياً عند بوابة القاهرة الفاطمية وامامه على الجانب
الاخر الازهر الشريف معقل العلم والعلماء ومفجر الثورات المهة فى تاريخ مصر الحديث ، ثورة ١٩ وسعد زغلول
ستجدهم دائماً فى خلفية المشهد فى اهم اعماله فى الثلاثية المحفوظية عميقة الاثر الوجدانى والفكرى ، فى
هذا الجو المفعم بالتاريخ والنضال والروحانيات نشأ محفوظ فى حى الجمالية وظل محفوظ يعيش فى هذا الحى
العريق بروحه ووجدانه رغم انه غادره الى حى العباسية فى مقتبل شبابه لكنه ظل يتردد عليه طيلة حياته ، وعندما
اوصى كانت رغبته ان تخرج جنازته من هذا الحى وبالتحديد من مسجد سيدنا الحسين ، فى هذه اللحظة الفارقة
فى حياة اى انسان لم ينس محفوظ ان يلقى النظرة الاخيرة على مسقط راسه وقبلته الروحيه ، خرج محفوظ مثل
هذا اليوم ٣٠ اغسطس من مسجد سيدنا الحسين الى مثواه الاخير ، وكان فى وداعه شعبه من الحرافيش
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.