“الأخلاق” في “صالون الجعفراوى”.. قولا وعملا

الأخلاق الإسلامية صالحة لكل الناس فى أى زمان ومكان

-د. نهلة الصعيدي : “العربية” طريقنا الوحيد لاستقامة أخلاقنا

-السيد الهاشمى : عنوان الشعوب.. وأساس الحضارات

كتب مصطفى ياسين : 

شهد “صالون الجعفراوى الثقافي”، فى نسخته التاسعة، بعنوان “إنما الأمم الأخلاق ما بقيت”، برئاسة المفكر الإسلامي د. صلاح الجعفراوى، رئيس مجلس أمناء مؤسسة مشوار التنموية، تجسيداً عمليا لقيم الأخلاق وذكر مآثر الصالحين، بتذكر مواقف لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الحالى د. أحمد الطيب، والراحل د. محمد سيد طنطاوي، وما تحليا به من الأخلاق الحميدة التي حث عليها ديننا الحنيف ونبينا الكريم.

وتفاعل الحضور من مختلف الفئات العمرية والمستويات الثقافية والاجتماعية مع كلمات ومداخلات العلماء الأعلام، وخرج الجميع وكلهم إصرار على الالتزام والتمسك بالقيم والمبادئ الإسلامية وغرسها فى الأبناء، واعربوا عن سعادتهم بتكريم العلماء العاملين فى خدمة الدعوة والإنسانية، وتسلمهم دروع تذكارية وهم: السيد على الهاشمى، المستشار بديوان رئاسة دولة الإمارات، د. سامى الشريف، امين عام رابطة الجامعات الإسلامية، السفير أشرف عقل، مساعد وزير الخارجية، سفيرنا فى اليمن وفلسطين والعراق سابقا، د. حسام فرفور رئيس جامعة بلاد الشام بسوريا، والذى أمتعنا بفاصل من الابتهالات الدينية، بإشراف دعاء صلاح، المدير التنفيذي للصالون، بحضور عدد من المفكرين والمثقفين، على رأسهم: المستشار عمرو سيد طنطاوى، د. أحمد على سليمان، المهندس محمد عبدالعظيم، والوفد الإماراتى حسن الحمادي، د. سعيد محمد سعيد الكويتى، محمد الغزولى، ووفد أبناء الدقهلية، د. المعتز زين الدين، دعاء سمير رئيس مؤسسة الأمل لدعم مرضى ضمور العضلات بمدينة حوش عيسى بالبحيرة، وأداره الزميل مصطفى ياسين.

مصدر الأخلاق

أشار د. الجعفراوى، إلى أن مصدر الأخلاق الإسلامية هو الوحي، ولذلك فهي قيم ثابتة ومثل عليا تصلح لكل إنسان بصرف النظر عن جنسه وزمانه ومكانه ونوعه، أما مصدر الأخلاق النظرية فهو العقل البشري المحدود أو ما يتفق عليه الناس في المجتمع «العرف»، ولذلك فهي متغيرة من مجتمع لآخر ومن مفكر لآخر.
ومصدر الإلزام في الأخلاق الإسلامية هو شعور الإنسان بمراقبة الله له، أما مصدر الإلزام في الأخلاق النظرية فهو الضمير المجرد أو الإحساس بالواجب أو القوانين الملزمة، مؤكداً أن الأخلاق الإسلامية صالحة لكل إنسان ولكل زمان ومكان مع اتصافها بالسهولة واليسر ورفع الحرج، ولا يحكم على الأفعال بظاهرها فقط ولكن تمتد إلى النوايا والمقاصد والبواعث التي تحرك هذه الأفعال الظاهرة يقول النبى: «إنما الأعمال بالنيات». فالأخلاق الإسلامية تقبلها الفطرة السليمة ولا يرفضها العقل الصحيح، وفي حديث مرفوع: قَالَ: “إِنَّ الْعَبْدَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ عَظِيمَ دَرَجَاتِ الآخِرَةِ، وَشَرَفَ الْمَنَازِلِ، وَإِنَّهُ لَضَعِيفُ

الْعِبَادَةِ، وَإِنَّهُ لَيَبْلُغُ بِسُوءِ خُلُقِهِ أَسْفَلَ دَرْكٍ مِنْ جَهَنَّمَ وَهُوَ عَابِدٌ.».

التغريب والتغييب

واكدت د. نهلة الصعيدي، مستشار شيخ الأزهر، أن الأخلاق هى الأخلاق في كل مكان وزمان ومتصلة بجميع الناس، ورسول الله أوضح لنا المسئولية المجتمعية في حديثه الشريف “مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا. فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا”. فالسفينة هى الحياة التى نعيشها، والمسئولية على الجميع دون استثناء، وليس لنا إلا كتاب ربنا وسنة نبينا للنجاة والنجاح في حياتنا الدنيا والآخرة. وإن ضبطت الأخلاق ضبطت الأمة بأكملها.
محذرة من وقوع المرأة بين تغريب وتغييب، مطالبة بالالتفاف حول لغتنا لاستقامة أخلاقنا، منوهة لمبادرة الأزهر “تذوق لغتك يحسن خلقك”.

عنوان الشعوب

أكد “الهاشمى”، أن الأخلاق هي عنوان الشعوب، حثت عليها جميع الأديان، ونادى بها المصلحون، فهي أساس الحضارة، ووسيلة للمعاملة بين الناس وقد تغنى بها الشعراء في قصائدهم ومنها البيت المشهور لأمير الشعراء أحمد شوقي:
وإنما الأمم الأخـلاق ما بقيـت.. فـإن هُمُ ذهبت أخـلاقهم ذهــبوا
أضاف: وللأخلاق دور كبير في تغيير الواقع الحالي إلى العادات الجيدة؛ لذلك قال الرسول: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». فبهذه الكلمات حدد الرسول الغاية من بعثته أنه يريد أن يتمم مكارم الأخلاق في نفوس أمته والناس أجمعين ويريد للبشرية أن تتعامل بقانون الخلق الحسن الذي ليس فوقه قانون، إن التحلي بالأخلاق الحسنة، والبعد عن أفعال الشر والآثام، يؤديان بالمسلم إلى تحقيق الكثير من الأهداف النبيلة منها سعادة النفس ورضاء الضمير وأنها ترفع من شأن صاحبها وتشيع الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع المسلم وهي طريق الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة. فالأخلاق الإسلامية هي الأخلاق والأداب التي حث عليها الإسلام وذكرت في القرآن الكريم والسنة النبوية اقتداء بالنبي الذي هو أكمل

البشر خلقا لقول الله عنه: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ٤﴾ [القلم:4].

المسئولية المشتركة

وانتقد د. الشريف، وضع الإعلام دائما في موقف الاتهام بسبب ما تقدمه وسائل الإعلام المختلفة، موجهاً حديثه للمواطن العادي قائلا: أنت من يحدد ما تراه فأنت المسئول عن تربية الأبناء بما تغرسه فيهم من قيم ومبادئ وأخلاقيات، فالأخلاق موروثة ومكتسبة، فالطفل يتربى طبقا للبيئة المحيطة وما نشأ عليه. محذراً من تراجع دور الأسرة وأيضاً المؤسسات التعليمية والتربوية والثقافية والاجتماعية والرياضية فى القيام بدورها المنوط بها نحو تربية وتأهيل النشء الصغير، وتركت الساحة مفتوحة أمام وسائل التواصل الافتراضي الحديثة التي تروج ثقافات وقيما وسلوكيات بعيدة عن قيمنا ومبادئنا الدينية والوطنية، حتى وصل عدد مستخدمى الإنترنت في العالم حوالى ٣ ونصف مليار شخصا، يعنى نصف العالم تقريباً. محذراً من التزييف العميق الملازم للوسائل الحديثة وآخرها الذكاء الاصطناعي.
واستدرك د. الشريف قائلا: وإن كانت وزارة الأوقاف تنبهت لهذا مؤخراً، فكان قرار د. مختار جمعة بعودة المساجد إلى

دورها الدعوى والتوعوى خاصة مع الأطفال والنساء بالنشاط الصيفي ومقارئ القرآن والسنة والندوات المختلفة،

وتسخير وسائل الإعلام والتواصل الحديث لخدمة الدعوة والوطن. مؤكدا أن الإعلام ليس شرا كله ولا خيراً كله، وإنما

كما نستخدمه يكون توصيفه. فعلينا أن نسخره فى الخير والنفع والصلاح، لأننا أمام خطر داهم، ما يجعلنا بحاجة

ماسة إلى “التربية الإعلامية” التي تحصن أبناءنا.

السياسة والأخلاق

وقال السفير “عقل”: تعد الأخلاق جزءا من السلوكيات الدبلوماسية التي تكشف الوجه الحقيقى للدولة والحكومة

والمسئولين وحتى المواطنين، وليست مُجرّد سلوكيات فردية تتعلّق بمسئول أو آخر . وبهذا ، فإن السياسة المُؤطرة

بالأخلاق تسعى لزرع الثقة والسلام والتعايش والالتزام والمحبة والتلاحم فى مفاصل الدولة وبين المواطنين ، وأيضا

مع الدول الأخرى !

ولا يمكن للشعوب التي لا تُقدس المنظومة الأخلاقية أن تطلب سواء من الحاكم أو الحكومة تطبيقها ، ولهذا فإن

الشعوب التي تضيع تراثها وتفقد ثقتها بنفسها هي شعوب ميتة ، وإن كانت فوق الأرض. والسياسات الحكيمة لا

تحارب الأخلاق لأنها حينئذ ستنقلب إلى نظم همجية وملاجئ للمكر والخداع !

ويؤكد التدقيق العميق أن التغافل عن الأخلاق في إدارة الدولة يعد بداية الانهيار للدول والحكومات . والأخلاق

المقصودة ليست فضائل تجميلية تكميلية ، بل مبادئ جوهرية رصينة في سلوكيات الدول والحكومات والأفراد ، حيث

يعد الحفاظ على مكانة وسمعة الوطن قضية حياة أو موت وليست نزهة ترفيهية اختيارية.

لذا، يتعين على الجميع العمل على دعم القيم الأخلاقية النبيلة ، وفي مقدمتها الأمانة والصدق والوفاء بالوعود

والعهود ، وغيرها من الصفات التي يفترض وجودها عند المسئولين والمواطنين لبناء المجتمعات الإنسانية والأوطان .

ويظل القانون العادل هو الضابط والضامن لأخلاقيات وسلوكيات العامة والخاصة، ومن عنده تكون البداية والنهاية!

واستطرد السفير عقل فى حديثه عن الأخلاق الدبلوماسية وكيف يمكن تطبيقها في العلاقات الدولية؟ قائلا: تشير

الأخلاق الدبلوماسية إلى قواعد السلوك والتصرفات التي يجب على الدبلوماسيين والمسئولين الحكوميين اتباعها

في العلاقات الدولية . وهى تتضمن مجموعة من المبادئ والأعراف الخاصة الذى يسهم تطبيقها في تعزيز العلاقات

الدولية وحل النزاعات الدولية بشكل سلمى وبناء ، ومن بين الأخلاق الدبلوماسية :

١- الاحترام : يجب أن يكون الممثل الدبلوماسي على دراية بثقافات الدول الأخرى ، ويحترم تقاليدها وعاداتها .

٢- الصدق : يجب على الممثل الدبلوماسي أن يكون صادقا في أقواله وأفعاله ، وأن ينفذ تعهداته ووعوده بكل دقة .

٣- الحيادية : يجب أن يحافظ الممثل الدبلوماسي على حياديته ، وألا يتحيز إلى أي طرف ضمن الصراع الدولي .

٤- الاحترافية : يجب على الممثل الدبلوماسي أن يكون لديه مهارات تواصلية فائقة ، وقدرة على التفاوض والتوصل

إلى اتفاقيات وبنود دبلوماسية متناغمة .

٥- الاحترام الكامل للقانون الدولي : يجب أن يلتزم الممثل الدبلوماسي بكافة القوانين والاتفاقيات الدولية ، ويسعى

لحل النزاعات الدولية بشكل سلمي دون اللجوء إلى العنف أو التهديد باستخدامه .

٦- الحفاظ على السرية : يجب على الممثل الدبلوماسي أن يحتفظ بسرية المعلومات المتعلقة بالمحادثات

الدبلوماسية ، وعدم تسربها للأشخاص غير المخولين .

وبالنسبة لكيفية تطبيق الأخلاقيات في العلاقات الدولية ، فيجب أن يكون هدف الدول في العلاقات الدولية هو الحفاظ

على السلم والأمن الدوليين ، وتحقيق العدالة والمساواة بين الدول . ويجب أن تتم هذه العلاقات وفقا للقوانين

الدولية والأخلاقيات العالمية ، مثل احترام حقوق الإنسان ، وحرية التعبير ، وعدم اللجوء للعنف والتسامح . ويتعين

على الدول العمل بمسئولية لتحقيق ذلك قدر المستطاع .

وأخيرا ، فإن واقع الحال يقدم لنا نموذجا مختلفا عن الدبلوماسية التي تتطلع الدول إلى تحقيقها في علاقاتها الثنائية

والدولية ، فما يجرى اليوم ، وخصوصا من قبل الدول الاستعمارية هو تطبيق صريح وواضح لمبدأ ميكافيللي في

السياسة ” الغاية تبرر الوسيلة ” ، وتغليب المصالح على القيم والمبادئ الأخلاقية ، لذا نشاهد ، وللأسف الشديد ،

سياسة اثارة الحروب وعدم الاستقرار في مناطق مختلفة من العالم ، بهدف تحقيق مصالح تلك الدول . ومع ذلك ،

فليس أمام الغالبية العظمى من الدول سوى خيار واحد يتمثل في الدفاع عن مصالحها ، مع التمسك بالدبلوماسية

كوسيلة حضارية وأخلاقية للدفاع عن نفسها ومصالح شعوبها.

خلق عظيم

وقال “د. فرفور”، ديننا بنى على الأدب والأخلاق فى كل شئ، “وإنك لعلى خلق عظيم”، حتى الجهاد والحرب فى

الإسلام تراعى الأخلاق والرحمة، وادب الجوارح مع الخلق ترجمة لأدب القلب مع الله.

رسول الأخلاق

وطرح الشيخ حمدى عبدالفتاح، عدة تساؤلات حول الفرق بين الأمة الإسلامية والمجتمع المسلم؟ وهل الإسلام

صالح لكل زمان ومكان أم ماذا؟ مؤكداً أنه الدين الخاتم، وحمله رسول الأخلاق، وبتركه تضيع الأمة،

أشار د. كارم الفقى، إلى وصف سيدنا رسول الله بالاخلاق التى جعلها الله سندا للمسلمين فى حياتهم حتى

تستقيم الأمور، ووجب علينا ألا نتهاون فيها لأنها مقياس القرب أو البعد عن الرسول يوم القيامة، مصداقا للحديث

الشريف: “إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة: أحاسنكم أخلاقًا، وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني

مجلسًا يوم القيامة، الثرثارون، والمتشدَّقون والمتفيهقون، قالوا: يا رسول الله ما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.