الدكتور علاء رزق يكتب: الجهاز المناعى الإقتصادى وركائز التنمية

الدكتور علاء رزق
يعتبر تعزيز القوى الناعمة المصرية عبر إستدامة عناصرها الإقتصادية، والسياسية، والثقافية، والبيئية، كانت هي أهم ثمرات عملية الإصلاح الإقتصادي والهيكلي لمصر عبر ثمانية سنوات ماضية، وهو ما جعل المؤسسة الدولية براند فاينانس، تقوم بتصنيف الإقتصاد المصري كأفضل دولة في مؤشر القوة الناعمة لعام 2022 ، هذه القوة الناعمة المصرية الجديدة التي طالما كنا نتمتى إستدعائها خلال العقود السابقة،بعد إضمحلال وتقزم الدور المصري على كافة الأصعدة مع نهاية سبعينيات القرن الماضي، وبعد ان كانت هذه القوة الناعمة أحد أهم أيقونات قوة وإبداع الإقتصاد المصري خاصه في النصف الأول من القرن العشرين، هذه القوة الناعمة المصرية الحديثة مكنت مصر من تحقيق عملية اسغتقرار كان من الصعب على غيرها من الدول ان تحققها في ظل تضارب المصالح الداخلية والخارجية بعد عام 2011 ،هذه القوة الناعمة ساهمت ايضاً في تحقيق التقارب المنشود بين مصر وغيرها من الشعوب، وهو ما تجلى في إعلان مصر دائماً وابدا ان علاقتها مع كافه الدول تقوم على الندية، والإحترام المتبادل ،وعدم التدخل في الشان الداخلي للدول ،كذلك تمثلت القوة الناعمة المصرية الحديثة في الإستثمار في راس المال البشري بإعتباره أحد أهم ايقونات النجاح عبر الإرتقاء بجودة حياة المواطن، وتحسين مستوى معيشته ،وهو ما يمثل قلب الرؤية الإستراتيجية المصرية التي تقوم على ضروره الإرتقاء بجودة حياة المواطن المصري ،عبر مجموعة من البرامج والمشروعات التي تمكنه من زيادة مستوى معيشته، لذا فإن مشروع حياة كريمة التي تقدر تكلفته المبدئية بتريليون جنية، جعل منظمة الأمم المتحدة تصنفه كأحد أهم المشروعات التنموية الذكية على مستوى العالم وتضعه على منصتها كدليل على زيادة تعزيز القوة الناعمة المصرية، وتدعيم مكانة مصر على الخريطة الإستثمارية والسياحة العالمية ايضاً، وهو ما يمثل بالفعل عودة مصر إلى سابق عهدها كقوة مؤثرة في محيطها العربي والإقليمي والافريقي بل والعالمى، ويرتبط بالإرتقاء بجودة حياة المواطن هدف آخر وهو السعي نحو تحقيق العداله الإجتماعية، والمساواة عبر ضمان وضع الآليات الكفيلة بتقليل الفوارق الإجتماعية وإتاحة الفرصة للجميع ،وعلى قدم المساواة وخاصة مع تقلد المناصب العامة، حيث يقوم الرئيس بنفسه بحضور الكثير من اختيار القيادات والوظائف العامة ،كما حدث في وزارة النقل هذا الاسبوع، كذلك فإن إرتباط ذلك بوجود نظام بيئي متكامل ومستدام هو هدف من الأهداف الإستراتيجية التي تقوم عليها رؤيه مصر لعام 2030 ، والساعيه نحو تثبيت دعائم وجود إقتصاد متنوع، ومعرفى، وتنافسي ،تستطيع مصر من خلاله تحقيق طموحاتها الإقتصادية وعلى راسها الوصول إلى صادرات صناعيه غير بترولية خلال الفترة القادمة لا تقل على 100 مليار دولار، فالوصول إلى 52 مليار دولار خلال عام 2022 كان بداية تحقيق هذا الحلم حتى نستطيع تحقيق كل طموحاتنا الإقتصادية والإجتماعية، والسياسية، والثقافية، خاصه فيما يتعلق بضرورة أن تكون الدولة المصرية قادرة على التاثير في مختلف الفاعلين الدوليين ،من دول، وشركات، ومنظمات أعمال، ومؤسسات دولية، بعيدا عن أدوات القوة التقليدية، حيث عكفت مصر خلال الفترة الماضية على الإرتقاء بسبع ركائز اساسية مكنتها من تحقيق هذه القدره على التاثير وهي أولاً: الإرتقاء بمنظومة التعليم والعلوم والمعرفة،عبر إيمان القيادة السياسية بأن الريادة في مجال التعليم ،والبحث عن تحقيق قوة للنظام التعليمي في مصر ،مقترنة بزيادة ودعم مجال الإبتكار والإبداع والتكنولوجيا هي أساس حقيقي لضمان الإرتقاء بعملية التعليم والعلوم والمعارف . ثانياً: تعزيز العلاقات الدولية والتى تعتبرها مصر من الركائز الأساسية اللازمة لتحقيق التأثير والمرونة الدبلوماسية المنشودة، خاصة بعد أن إبتعدت مصر عن محيطها العربي والإقليمي والعالمي خلال الفترات السابقة وهو ما جعل هذه الركيزة هي الأساس التي تستند عليه القيادة السياسية في تحقيق علاقات دولية تمثل حائط صد أمام التحديات والمخاطر العالمية التي قد تاتي عبرها آليات حروب الجيل الرابع، وهو ما انعكس مؤخراً فى التعاون الإستراتيجى مع دولة المجر وزيارة رئيس وزرائها دوربان لمصر هذا الاسبوع ، باعتبارها احد دول الطوق فى الازمة الروسية الأوكرانية، كما تمكنت مصر من تحقيق النجاح في مجال التضامن وتقديم المساعدات الإنسانية، وهو ما تجلى مؤخراً في الوقوف مع أشقائها في سوريا تركيا خلال كارثة زلزال كارمان مارعش، حيث أرسلت مصر ولا زالت ترسل المساعدات اللازمة لتحقيق هذا التضامن، كاساس لتحقيق علاقات دولية سليمة، وقوية ، وهو ما إنعكس بالإيجاب على الركيزة الثالثة :وهي نمو حركة التجارة والأعمال، حيث تمكنت مصر من خلال التقارب بينها وبين شعوب العالم من إرساء مبدأ المصالح المشتركة، وعدم التدخل في الشأن الداخلي،مما إنعكس في زيادة حجم التبادل التجاري بينها وبين كثير من دول العالم وترتب على ذلك تغيير الكثير من القوانين المرتبطة بمجال التجارة والأعمال في مصر وعلى راسها قانون الإستثمار الذي تم تنقيحه، وتعديله أكثر من مرة، من أجل تهيئة المناخ اللازم لجذب الإستثمارات، وسهولة بدء الأعمال، وهو ما جعل إقتصاد مصر وفقاً لما جاء في التقارير الدولية ،بانه إقتصاد قوي، حيث تم زيادة ترتيبه العالمي ليصبح رقم 33 عالمياً، بتحقيق ناتج محلي اجمالي قدره 469.1 مليار دولار خلال عام 2022 ،كل هذا ساهم في تحقيق الركيزة الرابعة وهي: ان مصر أصبحت من أكثر
دول العالم ثراء في التراث والثقافة، وتمثل الركيزة الرابعة من ركائز تدعيم الجهاز المناعي الإقتصادي للدولة، وارتبط
ذلك بالركيزة الخامسة وهي: الترويج الاعلامي ،والتواصل مع الخارج وركيزة تحقيق القيم المصرية الأصيلة عبر
منظومة الوعى التى تتبناها الدولة ،وتبقى الركيزة الأخيرة وهي : الحوكمه التي إستطاعت مصر زيادة مؤشر
الحوكمة لديها ،عبر تحقيق الإستقرار السياسي والأمان، وهو ما تجلى في إعلان مصر عن القضاء على الإرهاب
تماما خلال العام الماضي، مما جعل مصر تحتل المرتبة 65 عالمياً فى مؤشر الدول الاكثر امانا ، مع تدعيم تحقيق
الشفافية ،ورعاية مصالح الأقلية.
ولا شك ان التعاون بين مصر ودول العالم وتبادل الخبرات خاصة في مجال التنمية المستدامة، كان هو الاساس الذي
إستندت عليه مصر لتعزيز مكانتها وقوتها الناعمة، فقد تم عقد شراكات مع كثير من دول العالم خاصة
المتقدمة،لتعظيم الإستفادة من الإمكانيات الثنائية، في ظل المتغيرات الدولية وعلى راسها جائحة كورونا ،والازمة
الروسية الاوكرانية ،والازمة الجيوسياسيه الامريكية الصينية، بعد ان تم تقدير حجم الخسائر خلال هذه الازمات التي
اصابت العالم بنحو 2.8 ترليون دولار ،وهو ما يمثل أحد اهم التحديات الاقتصادية المقبلة على العالم وهو ما جعل مصر
تحاول ان تستند برؤيتها الإستراتيجية على ضرورة القيام على ثلاثة ابعاد تنموية، اقتصاديه، واجتماعية، وبيئية، مع
إمكانية تحديث هذه الأبعاد الثلاثه وفق أخر المستجدات التي قد تطرأ ،وعلى رأسها تاتى الزيادة السكانية الكبيرة،
التي تحققها مصر والتي بلغت 2.6% وهي زياده تلتهم كل مقدرات النمو والتنمية إن لم يحسن إستغلالها ،كذلك فإن
أهم المستجدات التي تواجه مصر ايضاً هي ندرة المياة العذبة خاصة بعد التغيرات المناخية التي ضربت العالم مؤخرا.
نجاح مصر في عملية الإصلاح الإقتصادي خلال السنوات الماضية، إرتكزت بصفة اساسية على الإهتمام بالإنسان
المصري محور وأساس التنمية الشاملة والمستدامة، والذي لابد ان تكون هناك رؤية لضمان الإرتقاء بجودة حياته
وتحسين مستوى معيشته، مع ركيزة آخرى هي ضمان تحقيق العدالة والإتاحة بما يضمن إستمرار عمليه التنمية،
كذلك مدى قدرة الإقتصاد المصري على تعزيز مرونته، وقدرته على التكيف خاصة في المجالين الاقتصادي والبيئي،
بعد ان توالت الأحداث والأزمات العالميه تباعاً خلال السنوات الثلاث الماضية، يبقى تحقيق الإستدامة هو الاساس
الحاكم وبضمان التغلب على كل المعوقات والمخاطر والتحديات التي تواجه عمليه الاصلاح الإقتصادي ،وترفع من قدرة
الدولة المصرية على الإستثمار في راس المال البشري وتحقيق القدرة والقوة الكافية للتاثير على مختلف الفاعلين
الدوليين.
كاتب المقال رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.