كتب عبد الناصر البنا : نقطة .. ومن أول السطر !!

عبد الناصر البنا – الفضائية المصرية
بداية : نحن جيل من أبناء الطبقة الوسطى فى المجتمع المصرى ، تلك الطبقة التى تسطيع أن تقول بكل أريحيه أنها ذابت اليوم فى المجتمع المصرى ، طبقة ” مطحونة ” هى منتهى كل قرار له عواقب وخيمة ، طبقة وقعت بين مطرقة الغلاء القاتل وسندان التشبث بالحياة ، الطبقة التى لم تجد حقيقة حتى اليوم من ” يحنو ” عليها ، والتى يقع عليها عبء تحمل كل الأزمات التى تمر بها البلاد ، ولاترضى أبدا تكرار مسلسل الفوضى والخراب فى مصرنا الحبيبة مرة ثانية ، والتى دوما يحفظ الله مصر إكراما لها ، وأولياء الله الصالحين !!
أما أنا فمن الجيل الذى ” لا طال بلح الشام .. ولا عنب اليمن ” ، وكما يقول المثل العامى : زى إللى رقصت على السلم ، لا إللى فوق شافها ولا إللى تحت شافوها . مهموم حتى النخاع بكل قضايا وطنى ، عندما أجد مالايرضينى أقول ، وحتى إن قلت لايستمع إليً أحد ، والحمد لله أننى لا أنتمى لا إلى اليمين أو اليسار ، وليس لى فى أية تكتلات أو أحزاب ، ولا أنتمى إلى هذا أو ذاك ، وليست لدى أيه أجندات خارجيه أو داخليه ، ولا أطمع فى جاه أو منصب أوسلطان ، وأردد دائما قول سيدنا شعيب لقومه فى كتاب الله تعالى ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ . وذلك حتى لايزايد أحدا على ماسوف يأتى !!
مصر اليوم تمر بأزمة حقيقة ، وهى أزمة ليست خافية على أحد قاصيا كان أو دانى ، أزمة تعصف بكل شىء أمامها كالاعصار المدمر ، غلاء يدهس كل شىء أمامه ، لو أخذت جولة صغيرة فى الشارع ، أو مشيت فى الأسواق ، أو إرتدت إحدى وسائل النقل العام ، تجد الناس تشكو مر الشكوى من الغلاء ، غلاء فى كل شىء وأى شىء ، غلاء يكوى الغنى قبل الفقير . والحقيقة أن لهذا الغلاء الذى أصبحنا نعيش فيها الكثير من الأسباب التى قد لاتكون خافية على أحد .
لعل من أبرزها القرارات الخاطئه . درسنا فى مادة القانون الإدارى فى كلية الحقوق أن القرار لابد أن يمر بعدة مراحل قبل أن يصدر ، وحتى بعد صدوره ، والأمر لايقتصر على الصياغة أو الناحية الشكلية والقانونية .. إلخ ، وإنما يمتد لتأثيره ، ومايترتب عليه بعد صدوره ، ولا ضير فى تعديله إن ترتب عليه نتائج غير مرجوة ، لو نظرت إلى أزمة مدخلات الإنتاج التى تكدست فى الموانى والمطارات المصرية والتى قدرتها وكالة بلومبرج بمبلغ 6 مليار دولار ، تجد أنها جاءت بسبب قرار خاطىء من محافظ البنك المركزى السابق د.طارق عامر مازلنا نعانى تبعاتها حتى اليوم ، رغم إعلان الدولة مؤخرا أنها أفرجت عن سلع غذائية ومدخلات إنتاخ تقدر بذات القيمة .
مشروع قانون الإفراج عن سيارات المصريين فى الخارج والذى جاء كأحد الحلول العاجلة الوقتية لتوفير النقد الأجنبى قرار جاء معيبا وخاطئا للإستعجال فى إصداره ولعدم سماع وجهة نظر المصريين فى الخارج ، وللأسف فشل . الحلول الوقتية التى يتخذها البنك المركزى ووزارة المالية لحل العديد من الأزمات المالية وما يتعلق بالنقد الأجنبى كلها مسكنات لا طائل منها ، المركزى يتخذ قرار برفع سعر الفائدة وسط نفى من رؤساء مجلس إدارة أكبر بنكين حكومين ” الأهلى ـ مصر ” بعدم رفع سعر الفائدة ، وبعد أقل من أسبوع نفاجىء بإصدارهما لـ شهادات ذات عائد سنوى ب 25% . أى سياسة نقدية تلك يمكن أن يثق فيها أى مستثمر !!
يأتى هذا وسط إعلان المملكة السعودية عن إستثمارات فى تركيا تفوق الـ 3.5 ترليون أين نصيب مصر من تلك الإستثمارات ؟ حقيقة لايوجد دولة فى العالم إنساقت وراء القروض ونجحت ، صندوق النقد الدولى عندما يعطى قروضا يملى شروطا تهدف إلى إجراء إصلاح إقتصادى لضمان إسترداد قرضه ، تلك الشروط دائما تكون مجحفة ، ولو عدنا إلى الوراء قليلا نجد أن الديون التى بدأتها مصر منذ أيام الخديوى إسماعيل وحتى اليوم كانت وبالا على مصر ، وبكل أسف مازلنا نكرر التجربة !!
ياساده ياكرام : لايوجد دولة فى العالم إقتصادها إقتصاد ريعى ، يقوم على الجبايه والتوسع فى فرض الرسوم والضرائب على مواطنيها . كل الدول فى التاريخ القديم والحديث تحاول جاهدة أن تسد أو ” تقلل ” الفجوه بين الإنتاج والإستهلاك ، وعدم التوسع فى طباعة النقد دون غطاء من أجل تخفيض حدة التضخم ، والإهتمام بالصناعة لأنها عماد إقتصاد الدول . نحن فى مأزق ، وللأسف لايوجد لدينا الناصح الأمين الذى يدلى برأيه ولايخشى لومه لائم ، نريد تمثيل حقيقى فى برلمان يطبق مبدأ الفصل بين السلطات ، ويراقب آداء الحكومة .
الدول الناجحة دوما تتبنى عددا من المشروعات الصناعية الكبرى ، كما بدأت مصر فى حقبة
الخمسينات وماتلاها بالشركات التى جاءت تحت مسمى مصر مثل ” مصر للساحة ـ مصر للحديد
والصلب ـ للغزل والنسيج ـ للألومنيوم .. إلخ ” فتلك الصناعات هى عصب الإقتصاد لايجب تركها
لمستثمر أو للقطاع الخاص كما يحدث اليوم وإلا لما وصل طن الحديد أو الأسمنت إلى ماوصل إليه .
مصر اليوم فى حاجه إلى وقفة مع النفس ، فى حاجة لإعادة النظر فى كل شىء . فى الفساد
الذى بدأ يستشرى لدينا يوما بعد يوم ويسرى كالنار فى الهشيم ، ولاسف لايوجد عقوبة رادعة له
. وهذا قد يثير سؤال : لماذا تترك الدولة الفشلة فى مواقعهم ؟ لماذا تختار أسوأ العناصر فى
المواقع القيادية ؟ لماذا تعتمد على أهل الثقه رغم فشلهم ؟ لماذا لاتطبق مبدأ الثواب والعقاب فى
إداراتها للأمور ؟ عشرات بل مئات الأسئلة التى قد تقفز إلى الذهن وأنت تنظر إلى أحوالنا ، وأمورنا
اليومية والحياتية ، ومانمر به من أزمات كانت سببا فى هروب المستثمرين ، والمصيبة الـ أكبر خروج
العقول المصرية للخارج ، مصر اليوم تتراجع بسرعة الصاروخ ، ولا يوجد صوت عاقل يقدم النصح
والإرشاد ، كل الموجود على الساحة حتى الإعلامية هم من المطبلاتية وماسحى الجوخ ، وهذا
شىء محزن !!
لابد أن تخرج الحكومة وتعلن عن فشلها ، لابد أن يكون هناك مجلس إستشارى أو مجلس حكماء
يعين القيادة السياسية فى إدارتها لأمور الدولة ، لابد من إستقطاب العقول المصرية التى طفشت
إلى الخارج ، لابد من جعل التصدير أولوية ، لابد من الإستفادة من تجارب الدول التى بدأت معنا
وسبقتنا مثل ” ماليزيا وسنغافورة وتابوان وهونج كونج .. وغيرها ” ، لابد أن تفرض الدولة حالة
التقشف العام ، نحن دولة فقيرة لاداعى للظهور بمظاهر البذخ الكاذبة التى لاطائل منها ، لابد من
ترتيب الأولويات فى المشروعات التى تقيمها الدولة ، أن تنفض الدولة يدها من منافسه القطاع
الخاص الذى مات إكلينيكيا بالفعل ، لابد من إعادة النظر فى أى شىء وكل شىء .
ندعوا الله أن يجنبنا الفتن ماظهر منها ومابطن .. حفظ الله مصر ، ووفق قائدها إلى مافيه خير ورفعة
البلاد والعباد ، ودائما وأبدا ” تحيا .. مصر ” .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.