تمثل سلاسل التوريد العالمية شبكه متصله من الأفراد، والمنظمات ،والموارد، والأنشطة، والتقنيات المشاركة في تصنيع وبيع منتج أو خدمه تبدا بتسليم المواد الخام إلى الشركة المصنعة، وتنتهي بتسليم المنتج النهائي أو الخدمة إلى المستهلك، ولكن ما يهمنا أنها تخطيط وإدارة لجميع الأنشطة المشتركة،ش والتنسيق والتعاون مع شركاء القنوات الذين تطوروا على مدار السنوات الماضية مع إختلاف البيئة والتكنولوجيا، ولتصبح أمر لا يمكن الإستغناء عنه بسبب الإبتكار المستمر في التكنولوجيا ،وتوقعات العملاء المتغيره بسرعة. حيث يعتبر السبب الرئيسي في تعطل سلاسل التوريد العالمية هو التغيرات المناخية بالدرجة الأولى، وليس إنتشار جائحة كورونا كما يعتقد البعض، لأن جائحة كورونا تمثل مشكلة قصيرة الأجل، ولكن تأثير التغيرات المناخية يمثل مشكلة طويلة الأجل، وهنا تكمن الأزمة الحقيقية التي يتطلب الأمر معالجتها من خلال بعض التغيرات الأساسية في مواجهتها عبر الوصول إلى صفر إنبعاثات كربونية عام 2050، من خلال تخفيض درجه ونصف ودرجة عام 2030 ، حيث يتم الحديث حالياً عن تخفيض درجتين ونصف الدرجه في عام 2050 وهو أمر قد يكون صعب في ظل ما نراه من تصرفات للدول الكبرى التي تريد التخلص أولاً من مخزون البترول والفحم لدى دول اخرى وبعدها لن يعود لها فائدة، لأن الطاقة الجديدة النظيفة ، ملك للدول الكبرى وتحتكره ، وهنا لابد من إحداث التوافق العالمى على ضرورة التغيير في العقلية والتفكير للمجتمع الدولي، أي تغيير نحو التوجة بقوة نحو مواجهة هذه الازمة التي يرى كثير من العلماء أنها ستزيد في السنوات المقبلة، ومع إرتفاع درجه حرارة العالم التى لم يحدث إتفاق وتوقيع للدول الصناعية حتى الآن ، والتي تمثل 85% على الأقل من إجمالي الناتج العالمي ، 75% من حجم التجارة العالمية ، لكنها على النقيض تتسبب في أكثر من 80% من إنبعاثات الغازات الدفيئة عالمياً، وعلى الوجهه الأخرى نجد أن ان البنية التحتية للنقل والإمداد ستكون مهددة بسبب إرتفاع مستوى سطح البحر، وستصبح نحو 90% من حركة الشحن في العالم عن طريق السفن مهددة في معظم الموانئ الساحلية في العالم ، لذا فإن ما تشهده سلاسل التوريد العالمية من تعطل وإضطراب بسبب التغيرات المناخية حتى الآن، ما هو إلا قليل من كثير ، وستصبح معه الإستراتيجية العالمية لخفض الإنبعاثات الكربونية إلى الصفر عام 2050 من جهة ، والتكيف مع المناخ عبر إعداد الدفاعات ضد زيادة حده الفيضانات التي زادت خلال الفترة الحالية بصوره غير مسبوقة، خاصة في دول جنوب شرق آسيا، تحديدا ماليزيا التي شهدت في ديسمبر الماضي أسوأ فيضان في التاريخ، وحدوث إنقطاع في سلسلة توريد أشباه الموصلات التي يتم شحنها من تايوان حيث توجد أكبر شركة لتصنيع الرقائق الدقيقة المتقدمة في العالم والتي كان يتم شحنها من ميناء كلانج في ماليزيا ،كذلك إعداد الملاجئ ضد الأعاصير التي ضربت العالم مؤخراً، وكان من أسؤها إعصار إيدا خامس أكبر إعصار في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية تكلفة، حيث الحق أضراراً بالغة بالمنشآت الصناعية الحيوية وأجبر شاحنات التوريد على تغيير مسارها لتطول رحلتها وتتاخر عن موعدها، كذلك إعداد خطوط طوارئ ضد موجات الحر والجفاف، من جهه اخرى،وفى تقديرنا أنه أمر صعب الوصول إليه خاصة على المستوى الاقتصادي ، وهو ما أكد عليه صندوق النقد الدولي من أن التوقعات الإقتصادية العالمية أكثر قتامة بسبب إنعدام الأمن الغذائي ، وإستمرار الخلل في الإمدادات، وكذلك إرتفاع الأسعار، وهو ما جعله يخفض توقعاته لنمو الإقتصاد العالمي لعام 2023 إلى أقل من 2.7%، بعد 2,9٪ ، وهنا تكون المعضلة الكبرى في أن المطالبة بزيادة القدرة التنافسية والإستمرار في النجاح هو أمر مرهون بإدارة عناصر سلاسل التوريد الخمسة وهي الخطط الإستراتيجية، والمورد، والتصنيع ،والتسليم ، والمردودات ،على نحو من الفاعلية وبالتوافق والتناغم مع البيئة والتكنولوجيا المتقلبة بإستمرار، وأمام هذه التهديدات المناخية لسلاسل التوريد نرى التقاعس العالمي في معالجة تأثير التغيرات المناخية على إدارة سلاسل التوريد ، وإكتفى العالم خاصة الدول المتقدمة بالبحث عن تأمين وجود سلاسل توريد مزدوجة تقدم نفس البضائع بطريقين مختلفين ، إذا تعطل أحدهما عوض الآخر النقص ،ولكن هذا يتعارض بشدة مع مدرسة التصنيع الحديثة السائدة الآن، من ضرورة توفير السلع والخدمات في الوقت والسعر المناسبين ، لا سيما وأن هذا التوجه قد يزيد بالفعل من تكاليف الإنتاج ،وبالتالي إرتفاع الأسعار، وإزدياد حدة التضخم، وهو ما يفسر إصرار مصر على ضرورة إتفاق المفاوضون في مؤتمر المناخ العالمي في مصر الآن، على ضرورة إنشاء صندوق للخسائر والأضرار، وهو الذي طال إنتظارة لتعويض الدول المتعرضة والمعرضة لتأثيرات التغير المناخي، خاصة الدول الفقيرة، والذي يمثل لها هذا الإتفاق إنتصارا كبيراً، لأنها على مدار عقود سابقة، وحتى الآن هي التي تتحمل فاتورة تكلفة آثار التغير المناخي، رغم أنها أقل مساهمة في التسبب فيه ، النجاح المصري في هذا المؤتمر هو نجاح في عودة بناء الثقة مع الدول المعرضه للخطر ، وكذلك هو شريان للحياة للأسر الفقيرة التي تكبدت تبعات التغيرات المناخية عبر سنوات طويلة ،باحثة عن خلق مناخ آمن وبيئة لائقة لإستمرار الحياة.
كاتب المقال رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام