في ليلة 5 سبتمبر من عام 2007، تم تنفيذ عملية عسكرية لتدمير المفاعل النووي السوري، في منطقة الكبر، في محافظة دير الزور، شرق سوريا. واليوم، وبعد 15 عاماً، أعلنت إسرائيل مسئوليتها عن العملية التي نفذتها بسلاحها الجوي، وهو الإعلان الذي لم يخرج اليوم بمحض الصدفة، أو التسريب، وإنما خرج كرسالة تحذير “لآخرين”، وفق ما أعلنت، قاصدة إيران، في تهديد صريح، ومباشر، بقدرة إسرائيل على مباغتتها بعملية عسكرية مثيلة، لتدمير المفاعلات النووية الإيرانية، اتساقاً مع تصريحاتها المتكررة، بأنها لن تسمح لإيران بتملك سلاح نووي.
ولقد أعلنت إسرائيل عن عمليتها ضد المفاعل النووي السوري، التي أطلقت عليها “إيم”، أو “عملية البستان”، بعدما كانت قد أصدرت أمراً رقابياً عسكرياً بحظر النشر في ذلك الموضوع، رغم صدور بعض التلميحات، من الصحف الإسرائيلية، على مدار السنوات الماضية، دون أي نفي أو تأكيد من الحكومة الإسرائيلية، وهو ما يعد أحد وسائل توجيه الرسائل أو التحذيرات للجانب الإيراني. وبعد تنفيذ العملية، نفت سوريا كافة الأخبار المتداولة بالصحف الإسرائيلية، مشيرة إلى أن المبان المستهدفة لم تتعد كونها قاعدة عسكرية سورية مهجورة.
وفي هذه المرة، خرج الإعلان الإسرائيلي مصحوباً بصور، وتسجيلات مصورة من قمرة قيادة الطائرة، التي نفذت الضربة الجوية ضد
المنشأة النووية في الصحراء الغربية من دير الزور، على مسافة 480 كم داخل سوريا، التي كانت تبنيها سوريا بمساعدة كوريا
الشمالية. وعلق مدير الاستخبارات الإسرائيلية، يسرائيل كاتس، على ذلك الخبر، قائلاً أن القرار الشجاع للحكومة الإسرائيلية،
آنذاك، بتدمير المفاعل النووي السوري، هو رسالة واضحة بأن القيادة الإسرائيلية الحالية لا ينقصها الشجاعة أو الإصرار لتكرار
العملية، مقابل أي تهديد للأمن القومي الإسرائيلي، مؤكداً أن امتلاك إيران لقوة نووية يعد تجسيداً فعلياً لتهديد الأمن القومي
لبلاده. ويذكر أن إسرائيل قامت في عام 1981 بغارة جوية، دمرت خلالها “مفاعل تموز النووي” في العراق، رغم معارضة واشنطن
لتلك الخطوة، حينئذ.
أما عن تفاصيل العملية ضد المفاعل النووي السوري، فقد أعلنت إسرائيل قيامها بتنفيذ غارة جوية في الساعة 22:30، من مساء
الخامس من سبتمبر 2007، باستخدام 4 طائرات من طراز F-16، و4 من طراز F-15، ثم عادت في فجر السادس من سبتمبر،
لاستكمال مهمتها حتى تمكنت من تدمير الموقع، تماماً، وعادت القوات الجوية إلى قواعدها سالمة. وأضاف الخبر أن الطائرات،
المشاركة في العملية، أقلعت من قاعدتي “حتسريم” و”رامون”، في النقب جنوب إسرائيل، وحلقت على ارتفاعات منخفضة، غرباً
ثم شمالاً، في اتجاه قبرص، لخداع شبكة الرادارات السورية، ومنها اتجهت صوب الحدود الجنوبية، بين سوريا وتركيا، حيث حلقت
على ارتفاع عال.
كانت الاستخبارات الإسرائيلية، أو الموساد، قد حصلت على معلومات، في عام 2004، بوجود خبراء أجانب، وتحديداً من كوريا
الشمالية، لمساعدة سوريا في النشاطات النووية، وذكر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي أيزنكوت، الذي كان قائد المنطقة
الشمالية في إسرائيل، والمسئول عن هذه العملية، حينئذ، أنه اجتمع بقادة المنطقة، الشمالية، وأبلغهم بضرورة الاستعداد لأي رد
فعل لعملية كبيرة، مرتقبة، دون أن يعطيهم أية تفاصيل عن طبيعة الهدف.
وأفادت التقارير، حول هذه العملية، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، حينها، إيهود أولمرت، كان قد أبلغ الرئيس الأمريكي، جورج بوش،
بأن بلاده مُقدمة على تفجير المفاعل النووي السوري، تحت الإنشاء، في دير الزور. وذلك بعدما كانت الموساد قد نفذت عملية،
مفاجئة، اغتالت فيها الجنرال السوري محمد سليمان، الذي اعتبرته العقل المدبر وراء إنشاء ذلك المفاعل النووي السوري، بواسطة
وحدة المخابرات الإسرائيلية الخاصة “شايطيت 13″، كما أفادت التقارير بأن الموساد الإسرائيلية قد اقتحمت بيت عالم سوري،
يعيش بالخارج، واستولت على جهاز الحاسب الآلي الخاص به، والذي يحتوي على كافة تفاصيل بناء هذا المفاعل النووي، ورسوماته
الإنشائية، وجميع خصائصه.
وفي تقرير جهاز الموساد، لرئاسة الأركان الإسرائيلية، عن تنفيذ هذه العملية، ارتكزت على تقرير منتشر للوكالة الدولية، بالعثور
على عدد كبير من جزيئات اليورانيوم الطبيعي للعينات التي تم أخذها من الموقع، علاوة على المعلومات التي كانت موجودة على
جهاز الحاسب الآلي للعالم السوري الموجود خارج البلاد. ومما زاد من شكوك إسرائيل عن ضلوع سوريا في نشاط نووي، كان رفض
الأخيرة، في ذلك التوقيت، السماح لمفتشين من وكالة الطاقة النووية لزيارة موقع دير الزور. ومن هنا خرجت كل الروايات، والقصص،
والأخبار، التي أذاعتها إسرائيل، حينها، كرسائل ردع، في إطار الحرب النفسية، لتهديد إيران حال إصرارها على عدم تجميد ووقف
برنامجها النووي.
وتسعى إسرائيل، حالياً، للحيلولة دون الاتفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، لإعادة التوقيع على اتفاق نووي، بعدما كانت
الإدارة الأمريكية، في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب، كانت قد انسحبت من الاتفاق الذي أبرمه الرئيس الأسبق، باراك أوباما،
قبيل مغادرته للبيت الأبيض، بل وأعلنت أنه حتى في حالة توقيع الاتفاق، فإن إسرائيل لن تكون ملزمة به. ورغم جهود الوساطة
التي يبذلها الاتحاد الأوروبي، ورغم تنازل إيران عن شرط رفع الحرس الثوري من قوائم الإرهاب، إلا أن كل الدلائل تشير إلى عدم
اقتراب موعد التوقيع على الاتفاق النووي الجديد، مع إيران، في ظل تفضيل الولايات المتحدة الأمريكية تأجيله لما بعد انتخابات