إبراهيم نصر يكتب : تعدد الزوجات “4/4”

الكاتب الصحفى إبراهيم نصر
الكاتب الصحفى إبراهيم نصر

ما زلت مع الرواية الصحيحة التى منع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع على بن أبى طالب بين ابنته فاطمة

رضى الله عنها، وبين ابنة أبي جهل، فقد ذكر العلماء جملة من الأسباب التي من أجلها منع النبي صلى الله عليه وسلم

هذا الزواج، وهذه الأسباب ترجع في مجملها إلى أربعة أمور.

الأول: أن في هذا الزواج إيذاءً لفاطمة، وإيذاؤها إيذاء للنبي صلى الله عليه وسلم، وإيذاء النبي صلى الله عليه وسلم

من كبائر الذنوب، وقد بَيَّن ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله: “وإِنَّمَا فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، يُؤْذِينِي مَا آذَاهَا”.

قال ابن التين: “أصح ما تُحمل عليه هذه القصة: أن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم على عليّ أن يجمع

بين ابنته وبين ابنة أبي جهل؛ لأنه علل بأن ذلك يؤذيه، وأذيته حرام بالاتفاق.

وما سبق لا ينطبق على امرأة أخرى غير فاطمة رضي الله عنها.

الثاني: خشية الفتنة على فاطمة في دينها، كما جاء في رواية البخاري: “وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا”،

فإن الغيرة من الأمور التي جبلت عليها المرأة، فخشي النبي صلى الله عليه وسلم أن تدفعها الغيرة لفعل ما لا يليق

بحالها ومنزلتها، وهي سيدة نساء العالمين.

قال الحافظ ابن حجر فى كتابه ” فتح الباري”: “وكانت هذه الواقعة بعد فتح مكة، ولم يكن حينئذ تأخر من بنات النبي

صلى الله عليه وسلم غيرها، وكانت أصيبت بعد أمها بأخواتها، فكان إدخال الغيرة عليها مما يزيد حزنها”.

الثالث: استنكار أن تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوِّ الله في عصمة رجل واحد، كما قال صلى الله عليه وسلم:

“وَإِنَّهَا وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ، وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَبَدًا”.

ويحتمل أنَّ المراد تحريم جمعهما، ويكون من جملة محرمات النكاح: “الْجَمْع بَيْن بِنْت نَبِيّ اللَّه وَبِنْت عَدُوّ اللَّه”.

انتهى (شرح صحيح مسلم).

قال ابن القيم: “وَفِي مَنْعِ عَلِيّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا وَبَيْنَ بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ حِكْمَةٌ بَدِيعَةٌ، وَهِيَ:

أَنّ الْمَرْأَةَ مَعَ زَوْجِهَا فِي دَرَجَتِهِ تَبَعٌ لَهُ، فَإِنْ كَانَتْ فِي نَفْسِهَا ذَاتَ دَرَجَة عَالِيَةٍ وَزَوْجُهَا كَذَلِكَ كَانَتْ فِي دَرَجَةٍ عَالِيَةٍ بِنَفْسِهَا

وَبِزَوْجِهَا. وَهَذَا شَأْنُ فَاطِمَةَ وَعَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا. وَلَمْ يَكُنْ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِيَجْعَلَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ مَعَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا

فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ، لَا بِنَفْسِهَا، وَلَا تَبَعًا، وَبَيْنَهُمَا مِنْ الْفَرْقِ مَا بَيْنَهُمَا، فَلَمْ يَكُنْ نِكَاحُهَا عَلَى سَيّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مُسْتَحْسَنًا،

لَا شَرْعًا، وَلَا قَدَرًا. انتهى، من كتاب “زاد المعاد”.

تعظيماً لحق فاطمة

الرابع : تعظيماً لحق فاطمة وبياناً لمكانتها ومنزلتها، قال ابن حبان: “هذا الفعل لو فعله علي كان ذلك جائزاً،

وإنما كرهه صلى الله عليه وسلم تعظيماً لفاطمة، لا تحريما لهذا الفعل”. انتهى من كتاب “صحيح ابن حبان”.

قال الحافظ ابن حجر: “السياق يشعر بأن ذلك مباحٌ لعلي، لكنه منعه النبي صلى الله عليه وسلم رعاية لخاطر فاطمة،

وقَبِلَ هو ذلك امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يظهر لي أنه لا يبعد أن يُعدَّ في خصائص النبي

صلى الله عليه وسلم أن لا يتزوج على بناته، ويحتمل أن يكون ذلك خاصاً بفاطمة رضي الله عنها” انتهى من “فتح الباري”.

والحاصل: أن هذه الأسباب مجتمعة أو متفرقة هي التي من أجلها منع النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب

من هذا الزواج، وليس في القصة أدنى دليل لمن يحاول التشبث بها، للدعوة إلى منع تعدد الزوجات.

وأختتم بالقول: إن تعدد الزوجات من الأمور الثابتة في شريعة الإسلام بالنصوص الواضحة الصريحة، التي لا مطعن فيها

بوجه من الوجوه، مهما أرجف المرجفون.

Ibrahim.nssr@gmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.