” عدالة السماء ” .. قصة قصيرة للأديب محمد الشرقاوي

الأديب محمد الشرقاوي
أمام المقهى الملاصق للرصيف ، يجلس سامر وصديقاه ، أمامهم منضدة تراصت فوقها أطباق المأكولات المتنوعة وزجاجات المياه المعدنية ،
يزداد الزحام شيئا فشيئا كلما اقتربت لحظة بدء المباراة الهامة ، خمس شاشات ضخمة تتوزع داخل المقهى وخارجه منها اثنتان بالخارج وهما أكبر حجما من الأخريات نظرا لوجود مساحة شاسعة من الفضاء الذي يتسع لأكبر عدد من المقاعد ،
تتنوع التوقعات الخاصة بالنتيجة لكن الغالبية منها تؤكد على الفوز والصعود للدور النهائي .
الشارع مزدحم بالسيارات في الاتجاهين ، بعضها يرفع علم الفريق وبعض آخر يرفع علم الدولة وبعض ثالث يرفع صور اللاعبين الأبرز والذين تقوم عليهم خطة اللعب واحلام الفوز والصعود ،
يتساءل المارة في شغف : هل بدأت المباراة ؟ فتاتي الإجابة : بعد لحظات . فينضم كثير من السائلين إلى حشود المقهى بينما يهرول آخرون لمشاهدتها في المنزل .
ما زال الحديث والجدال عن خطة اللعب واي اللاعبين سيكون أساسيا وأيهم سيجلس على مقاعد البدلاء ويابى الجميع إلا أن يشاركوا برأيهم منتقدين بعضهم البعض .
تتجه أنظار سامر نحو الرصيف المقابل ليرى عجوزا يستند على عصا قاصدا عبور الطريق ، تمر السيارات لتخفي وجهه ثم يعود للظهور مرة أخرى ثم يختفي ويظهر ،
يهب سامر مشيرا لصديقيه بعبوره لمساعدة العجوز ، يقترب ويقترب محدقا في وجهه ، يطيل النظر إليه كأنه يسافر في دروب الزمن الغابر ،
تعود إلى ذاكرته صور ومشاهد عديدة كأنه يقرأها في ذلك الوجه الذي غطته التجاعيد بقوة ثم يعود وحيدا مثلما كان ، يجلس في مكانه شارد الذهن لا يبالي بمن حوله بينما يستمر حوار صديقيه حول المباراة .
لحظات قليلة يهرول بعدها جمع من الجالسين لعبور الطريق ورؤية ما حدث ، توقفت تماما حركة سير السيارات
وجاء من بعيد صوت صافرات سيارة الإسعاف التي تحاول خلخلة الزحام للوصول إلى هدفها ، يعود سامر من شردوه بعد عدة أصوات من صديقيه ليهب الثلاثة لمتابعة ما جرى ،
العجوز سابح في بحر من الدماء وحوله أصوات تتعالى بسرعة النقل وأخرى تطالب بالبحث في ملابسه عن تحقيق هويته أو هاتفه المحمول ،
أصوات أخرى تطالب بعدم تحريك أي عضو من جسده فربما يكون على قيد الحياة ، لكن رجال الإسعاف يصلون على الفور ويؤكدون أنه فارق الحياة ،
مفاجأة أذهلت الصديقين بشدة فبدأ على وجهيهما سؤال هام وملح للغاية واتجهت نظراتهما نحو سامر الذي يشير لهما بالصمت ثم يعود الثلاثة إلى حيث كانوا .
يبدأ سامر في تفسير ما حدث : لقد اقتربت منه وعندما تأكدت من شخصيته تركته وعدت منفردا ، تطل من عيون صديقيه كلمة لماذا ؟
فيستانف سامر قائلا : كان هذا الرجل معلما لي في المرحلة الإعدادية وكنت قبلها متفوقا ومن الأوائل ولكن منذ أن رأيته تراجعت عن العلم ولم أعد محبا لدراستي ،
كان لا يشرح في الفصل شيئا وكان يرغمنا على الدروس الخصوصية التي كنا نمزح فيها ونقوم بالتدخين معه ،
كان يشجعنا على معاكسة الفتيات ويعدنا بتسهيل الغش وقت الامتحان ، لقد غير مسار حياتي فقررت عدم استكمال التعليم
وكان هذا أحد أسباب انفصال والدي عن والدتي ، لقد عوقب بما يستحق ، لا سامحه الله أبدا .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.