” العصابة ” قصة قصيرة للأديب محمد الشرقاوي

بكل حيوية ونشاط تستقبل المدينة صباحها ، الناس ينطلقون إلى مساعيهم ، الطلاب ينطلقون إلى مدارسهم ، السماء تفصح عن صفاء وجمال يبعثان في النفس البشر والسرور في حين تغازل الشمس أعالي المباني الشاهقة التي تمنع وصول أشعتها الذهبية إلى الشوارع والطرقات ، هنا في هذه المدرسة ، ما زال طوفان الطالبات يتدفق ليعبر البوابة الحديدية وينضم إلى طابور الصباح الذي بدأ منذ دقائق ، المدير يصرخ فيهن : لماذا التأخير يا قمامة المجتمع ؟ يزداد همس الطالبات ، يطلبن التماس العذر دون توبيخ ، فالطرق شبه متوقفة أما وسائل المواصلات فتوشك أن تنفجر من الزحام وهذا ليس جديدا على تلك المدينة الصاخبة التي لا تهدأ نهارها ولا تنام ليلها .
هناك على منصة الإذاعة المدرسية يقف معلما اللغة العربية : عصام وسلامة ، وكما يقال في الأمثال الشعبية : ” كل قصير مكير ” فهذا ما يعرفه الجميع عن عصام الذي يطالب الطالبات بحسن الاصطفاف والإنصات ثم تبدأ إحدى الطالبات من فريق الإذاعة المدرسية تقديم زميلاتها واحدة تلو الأخرى ، أصوات خافتة لا تكاد تفصح عن معلومة ما ، أخطاء لا تحصى في القراءة من تلاوة بعض آيات القرآن الكريم إلى الحكمة والكلمة وغير ذلك مما يشعر المعلمين بالحرج الشديد الذي ازداد بقدوم أحد المتابعين من خارج المدرسة ، أما الأديب فيقف متحسرا على حال لغة الضاد بين أهلها وبين طالبات مرحلة ما قبل الجامعة ، بعض المعلمين ينظرون في هواتفهم لمعرفة الوقت ومنهم من يتجه نحو فصله منتظرا قدوم الطالبات .
يبدأ سلامة كلمته بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية ، ألفاظ سطحية تنم عن جهل عميق وعدم استعداد لتلك المناسبة الهامة ، أسلوب منفر وطريقة عجيبة في تناول الموضوع ، كلمات لا تحتوي على جملة واحدة مفيدة ، لم يستشهد بآية واحدة أو حكمة أو بيت من الشعر الهادف ، يهمس أحد المعلمين في أذن أحد زملائه : لماذا يحرص على حب الظهور وهو ليس أهلا لذلك ؟ يجيب صديقه : تلك دعاية للدروس الخصوصية ، وتلك هي طريقته والمدير يمنحه دائما الضوء الأخضر ليفعل ما يشاء .
يختتم سلامة كلمته ثم يبدأ عصام في تعليم الطالبات كيفية الصلاة من بداية الوضوء إلى التشهد والتسليم ، هناك في أحد أطراف الطابور تقف مجموعة من الطالبات يتبادلن حديثا هامسا :
سلمى : ماذا يعلمنا هذا اللص ؟ ألا يعلم نفسه اولا ؟
دعاء : كيف تقولين كلمة لص على أحد معلمينا ؟
سلمى : لأنك لا تعلمين شيئا عنه ، لقد أخذ من والدتي مبلغ ستمائة جنيه قبل بداية العام الدراسي .
دعاء : ولماذا ذلك ؟
سلمى : كان مجموع درجاتي في الشهادة الاعدادية ينقص نصف درجة عن المجموع المحدد للقبول هنا فطلب هذا المبلغ لقبولي .
دعاء : وماذا حدث بعد ذلك ؟
سلمى : جاء قرار بنزول خمس درجات من الحد الأدنى للقبول وتم قبولي بصورة رسمية واستولى هو على المبلغ .
تنهي سلمى حديثها قائلة : إن ما يحزنني حقا أن صالح مدير المدرسة وجميع المعلمين يعلمون ذلك ولا يفكر أحد أن يعيد الحق لأصحابه ، أنا لا ادري كيف نتعلم القيم والأخلاق من أمثال هؤلاء اللصوص .
يعود صوت المدير مشيرا إلى تكريم سلامة وعصام ومنحهما شهادتي تقدير لجهودهما في المدرسة في حين يضرب الجميع كفا بكف متعجبين من تلك المسرحية الهزلية التي تدور أمام أعينهم ولا يملكون النطق بكلمة واحدة .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.