” سطوحي ” .. قصة قصيرة للأديب محمد الشرقاوي

الأديب الشاعر محمد الشرقاوي
تتوالى الضحكات بصخب دون توقف ، تنقض النظرات كالسهام من عيون الزميلات لتصب في وجه زميلتهن سوسن ، للمرة الأولى تحضر معهن هذه الحصة الخاصة في أحد مراكز الدروس الخصوصية المنتشرة في كل شوارع الحي ، لا تعرفهن ولا يعرفنها
لذلك كانت التساؤلات تلح بقوة على ذهن سوسن : لماذا ينظرن إلي هكذا ثم يضحكن ؟ هل في مظهري ما يدعو إلى ذلك ؟ أم تلك عادتهن مع من لا يعرفن ؟ لكن على كل حال ، ليس من اللائق أن تصدر منهن مثل هذه الأمور .
يبدأ مسيو سطوحي توزيع ورقة لمادة اللغة الفرنسية مطالبا بالتركيز وترديد الكلمات التي يقرأها بلسانه الألدغ ، تتجه عيون الطالبات إلى الورقة ولكنهن يختلسن النظرات نحو سوسن ومسيو سطوحي الذي يجلس ملاصقا لها ،
يشير بالقلم إلى كل كلمة يقرأها ، يزداد الهمز بين الطالبات في إشارة لصوته الغريب المضحك الذي يثير السخرية ، ثم يترك القلم ويشير بيده ،
عند ذلك يبدو القلق على وجوه الطالبات فتأخذ كل منهن حرصها الزائد وتبتعد أكثر لتتابع بشغف حركات يديه دون تركيز فيما يشرح ومع مرور الوقت يزداد القلق بصورة ملحوظة .
توجه سوسن سؤالا عن معنى كلمة ما .. ومتى يتم استخدامها ، يقترب سطوحي واضعا كفه فوق كفها ،
تشعر بالخجل فتحاول سحب يدها ، تستمر المحاولة إلى أن يتحقق لها ذلك لكن ببعض من الصعوبة .
ما زال الحياء مسيطرا على سوسن مما منعها من رد فعل يزيد من قسوة الموقف .
يستمر سطوحي في القراءة ثم ينتقل لشرح تدريب ما ، لا تزال نظرات الطالبات تتجه نحوه بشدة ،
تهمس إحداهن في أذن إحدى زميلاتها : مسكينة سوسن ، كان من الواجب أن نحذرها من الجلوس بجواره . ترد صديقتها : ليس لنا شأن أيتها الغبية ،
فلو فعلنا ذلك سيكون عداؤه لنا شديدا وربما يؤذينا في درجات هذه المادة . ألا تعلمين أنه تم استبعاده من مدارس البنات بقرار من النيابة الإدارية
وصدر في حقه حكم بعدم العمل فيها ثم عاد بعد دفع رشوة لأحد المسئولين ،
تسألها كيف علمت بذلك فتجيب : عن طريق طالبة كانت بالمدرسة منذ ثلاثة أعوام .
تبدأ الطالبات في إجابة السؤال ، تمر عيونهن على الجمل الموجودة ولكن بين جملة وأخرى تعود لتصوب النظرات نحو يد سطوحي الذي يطلب منهن الإجابة بصوت مرتفع مشيرا إلى التزام كل واحدة منهن بدورها ،
تحاول سوسن فتقرأ إحدى الجمل ، يقترب منها سطوحي واضعا إحدى يديه على كتفها بينما تتجه الأخرى نحو صدرها ، تلاحظ سوسن ، تتردد ، ماذا تفعل ، تغمر الشجاعة قلبها ،
تتجه مسرعة نحو الباب ، تبصق في وجهه بكل قوة ، ثم تقذف نحوه كراسة وبعض أوراق كانت تمسك بها ، تصدمه المفاجأة ، يهرول نحوها ، تجري وتغلق الباب والدموع تنهمر من عينيها قائلة : هذا ذئب شرس وليس معلما فاضلا ، أدركت الآن لماذا كانت نظرات الطالبات تلاحقني وتراقبني باستمرار منذ أن جلست بجواره ، ليتهن أخبرنني وقدمن لي النصيحة ، لكن لابد أنه فعل ذلك معهن لذلك لم يجلسن بالقرب منه .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.