جيهان عبد الرحمن تكتب : الغناء قصة وطن

بعد ثلاثة أيام من واقعة تقييد معلم داخل الفصل بمدرسة المستشار محمود برهام بقرية الملعب التابعة لمركز بلقاس , من قبل ولي أمر وجد الأمر هين ومدرسة بلا أمن ولا أسوار حتي وصل للفصل, لتسهيل ضرب المعلم الشاب بالحذاء علي رأسه بواسطة أبنه أمام التلاميذ, فقضت محكمة بلقاس بمحافظة الدقهلية في محاكمة عاجله بحبس ولي الأمر عامين مع الشغل وكفالة 3 الأف جنيه وتعويض مدني مؤقت 15 الف جنيه, مما يعد أسرع حكم في تاريخ القضاء الذي كان وما زال حائط الصد الأخير أمام طوفان الانهيار القيمي في منظومة السلام الاجتماعي التي لطالما حذرنا من تهاويها وطالبنا بسرعة تحرك مراكز مصر الاجتماعية والنفسية ووضع خطط عاجلة وأجله للعلاج قبل حدوث مالا يحمد عقباه.
صحيح أن الحكم في أول درجه للتقاضي ومازال أمامه استئناف ونقض. والحكم بالكفالة تعني خروج المتهم لحين جلسة الاستئناف, لكن الخوف كل الخوف أن يستجيب المعلم الشاب الذي أرتضي العمل بنظام مستحدث مهين ” التطوع مقابل عشرون جنيها في الحصة” أن يستجيب لمحاولات متوقعه للصلح مقابل إغراءات ماديه, أو يتمكن أحد المحامين المتخصصين في المسالك القانونية بوسيلة أو بأخري الحصول على براءة في الاستئناف أو حتي تخفيفه لأقل عقوبة, ناهيكم عن عدم ذكر أية عقوبة من قبل وزارة التربية والتعليم لذلك الابن الذي يتداول مع أبن عمه في الفصل أبشع الشتائم والألفاظ, إضافة إلي تعديه بالضرب علي معلمه بالحذاء, وهنا يستطيع هذا الأب ونجله, وكل من علي دربه من إخراج لسانه للمجتمع الذي شهد حوادث مماثله ساهمت في سرعة عجلة الانهيار الأخلاقي والقيمي, لعدم مواجهتها بالعلاج والحسم معا.
صحيح ان الأمر لا يخلو من احتكاك وشجار من وقت لأخر بين أولياء الأمور والمعلمين في المدارس وكم مرت علينا حوادث من هذا القبيل لكنها دوما كانت حوادث تمر مرور الكرام بعد ترديد عبارات استهجان وشجب وخوف علي مستقبل لا يعلم مصيره إلا الله, حتي وصلنا إلي ما نحن فيه.
مازالت واقعة أبن سيادة المستشار عالقة بالأذهان ورغم فحش عمله وجد من يسانده, ومرت مرور الكرام, وغيرها من الحوادث التي تم التعامل معها بسطحية دون النظر إلي نتائجها المدمرة, وهنا لن أتحدث عن دور المدرسة التي أضحى بعضها بلا تلاميذ ولا معلمين ولا تعليم, ولا أتحدث عن دور الأسرة التي سحلت في دوامة غلاء فاحش بات دورها تدبير نفقات العيش بأية وسيله ولا وقت للتربية وزرع القيم الأخلاقية, وينطبق هذا علي الغالب الأعم من الأسر كانت حتي وقت قريب مستورة ولكن العامل الإقتصادى هتك سترهم, ولا أتحدث عن الطبقة المخملية التي أزعم أن كثيرا منهم مشغول عن أبنائه بطريقة أو بأخري, لكني أتحدث عن مجتمع كامل ساد فيه الخلط .
مجتمع غاب فيه دور الثقافة والتنوير والإبداع, ركز فيه الإعلام علي كل ما هو تافه بغيض بهدف الإلهاء وملئ ساعات هوا, مجتمع ينتفض فيه صاحب منتجع الجونه ضد قرار نقابة المهن الموسيقية لمنع ثمانية عشر اسما بيكا وكزبرة وحنجرة وفيلو وموزة وطيخه وريشا كوستا وسمارة شواحه وولاد سليم والعصابة والزعيم وعلاء فيفتي وشطة ووزه وشكل وحاحا والكعب العالي, صحيح أن لهذه الأسماء الغريبة جمهور آلف ان يسمع منهم إيحاءات وشتائم ومخدرات وسب تحت مسمي غناء ما أنزل الله به من سلطان، لكن لكل امر نهاية.
شاعرنا الكبير المثقف جمال بخيت كتب تحت عنوان الغناء قصة وطن, عشرة تدوينات تضم أفكار وأسئلة للمجتمع الجالس علي حافة الخطر. مثل مين الشيوعي والأزهري والناصري اللي قادوا أغاني حرب 1956, و قوله أوعي تصدق أن أزمنة الغناء الجميل ما كنش فيها منع للغناء المبتذل. و سؤاله هل كانت مصر تتحدث عن نفسها مجرد أغنيه, أو ندائه للسادة المسئولين عن الإعلام في مصر ومطالبته بتخصيص ميزانية أستوديو تحليلي واحد لإنتاج برنامج يليق بمصر وتاريخها, أعيدوا لمصر بعضا من جميل الملامح.
اتركوا نقابة المهن الموسيقيه تقوم بدورها ليعود الغناء كما كان دوما قصة وطن.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.