رؤية نقدية للناقد د رمزي حجازي حول قصة ( نهر الحكمة ) للأديب محمد الشرقاوي

الأديب الشاعر محمد الشرقاوي
قصة قصيرة فيها سرعة وتوتر وتكثيف للمعاني يعالج من خلالها الكاتب الأستاذ محمد الشرقاوي مرضا اجتماعيا خطيرا، وهو التفكك الأسري الذي بات كالسوس ينخر في جسد المجتمع كله،
لأن الأسرة هي لبنات بنائه التي لا يستقيم إلا بها، فإذا أصابها العطب والانحلال انفرطت حبات المجتمع بأسره. تقوم فكرتها على استيحاء تشبيه الأسرة حين يحدث الشقاق ويترك الأب زوجته بعيدة عنه ويتخلى عن أولاده بالسفينة التي تركها رُبَّانُها في عرض البحر
وامتنع عن مواصلة القيادة، لتلقَى مصيرها وسط الأمواج العاتية، ولا شك أن أمواج الحياة بالنسبة للأسرة بلا راع قاسية تفضي بها إلى مصير غير محمود.
والشخصيتان الرئيستان في القصة هما شخصيتان ريفيّتان: شخصية سالم المكافح والمعروف بشهامته، وشخصية عمه الحكيم الذي آتاه الله قبولا وقدرة على الإصلاح بين الناس، ومهارة في التأثير عليهم واجتثاث الغضب والألم من قلوبهم، والإقناع بالكلمة الطيبة بضرورة إنهاء الخلافات مهما حدث،
وخاصة الخلافات الزوجية بصرف النظر عمن أصاب أو من أخطأ، وهي قصة كثيرة الوقوع في كل الأوساط الاجتماعية، لكنما انتقاء الأديب لهذا الوسط الريفي يرجع إلى أنه وسط شديد التلاحم والتماسك، أو كان كذلك في الماضي القريب، فينبغي أن يستعيد عاداتِه وتقاليدَه الأصيلة التي ميزته، وأماطت عنه الميوعة والفناء في عادات وتقاليد غريبة دخيلة عليه.
فمن هذه العادات الأصيلة التي يحاول الأديب استرجاعها في قصتة عادة احترام الكبير حين يتدخل ليصلح أو يقول كلمته الفاصلة، فهي كالسيف على الرقاب، نافذة ماضية واجبة التنفيذ،
وهي من العادات التي كادت أن تتلاشى في ريفنا المصري، بفعل عوامل التغريب، وانفتاح الأسر على سلوكيات منحرفة من خلال الإعلام الهابط وتقديمها للمجتمع الريفي على أنها الوجه الآخر من الحياة الذي غاب عنهم، فأغرقوا فيه بما يحمل من سموم قاتلة.
إنها قصة اجتماعية فيها من عوامل الجذب والإثارة ما يبعث كل قارئ على إدراك هذه الحقيقة، والتمسك بأسرته، والقيام بدوره في رعايتها وقيادتها وتولي جميع شؤونها بما كلفه الله به من قَوامة تستوجب البذل والعطاء والتضحية والصبر على شدائد الحياة، واحتواء الخلافات الأسرية،
كقائد السفينة الذي لا يمكن أن يتخلى عن أداء واجبه مهما عصفت به أمواج البحر، أو أطبقت عليه ظلماته.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.