عبد الناصر البنا يكتب : ماسبيرو .. والجمهورية الجديدة

عبد الناصر البنا – الفضائية المصرية
لا أحد يستطيع أن ينكر الدور الخطير الذى يمكن أن بلعبه الإعلام فى بناء أو هدم أعتى الدول والإمبراطوريات ، ولعل التجربة التى
مرت بها مصر فى 2011 كانت درسا يجب الوقوف أمامه طويلا بالدراسة والتحليل ، وكيف كان الإعلام واحدا من أهم الأدوات التى
أدت إلى كل الأحداث التى شهدتها مصر ، وتابعناها لحظه بلحظه ،
بدءا من العباره الشهيرة ” خليهم يتسلوا ” مرورا بالفترات العصيبة التى مرت بها البلاد لولا عناية الله التى جنبت مصر الإنزلاق فى حرب أهلية لايعلمها إلا الله .
الحقيقة أن مصر كانت على وشك الدخول فى نفق مظلم فى ظل حكم جماعة إرهابية إستطاعت فى غفلة من الزمن بقصد أو
بدون أن تختطف البلاد محاولة طمس هويتها تحت غطاء من الدعاوى الدينية الزائفة ، لمدة عام ، ولكن سياسة الإخوان الفاشلة
وتحكمهم فى مفاصل الدولة وإدعاء المعرفة عجلت بنهايتهم ، ولم يكن يخطر ببال أحدهم أن ملايين الشعب المصرى التى خرجت
فى مختلف محافظات مصر مطالبة برحيل الرئيس محمد حسنى مبارك أنهم يمكن أن يعودوا مره ثانية للإطاحة بمن إختاروه خلفا له
لو نظرنا إلى المشهد الإعلامى فى مصر خلال 2011 ومابعدها نجد أنه إتسم بالسيولة الشديدة ، وإن شئت قل” الفوضى الإعلامية
” سواء على مستوى الإعلام الرسمى للدولة ” صحافه / تليفزيون ” الذى عانى من حالة إرتباك شديد ، وعلى الرغم من ذلك لعب
دورًا مؤثرًا فى تبصير الجمهور بالعواقب الوخيمة للإستسلام لإرادة خطف الدولة المصريه وتغيير هويتها ، رغم محاولات الجماعة
تحييده والتضييق عليه بل وتجميده إلى أجل معلوم .
أو إعلام خاص ساهم خلال تلك الفترة بدعوى الحرية فى تبنى خطاب إعلامى يحض على الكراهية والتحريض على العنف وإنتهاك
حرمة حياة المواطنين الشخصية فى ظل غياب ميثاف الشرف الإعلامى ، وجاءت إنتفاضة الشعب المصرى فى الـ 30 من يونيو من
أجل تعديل المسار وإنقاذ مصر من المصير الغامض تحت حكم جماعة الإخوان وأعوانهم وحرمانهم من حلم تغيير الهوية المصرية .
وإستجابة لمطالبات الجماعة الصحفية والإعلامية والحقوقية المنادية بإعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية ، ومع تعديلات دستور
2013 – 2014 إستجابت لجنة الخمسين لتلك المطالب وألغت وزارة الاعلام ، من أجل تحرير الإعلام من قيود السلطة ، وإستحدثت
بالمواد 211/212/ 213 المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ــ الهيئة الوطنية للصحافة ــ الهيئة الوطنية للإعلام
وأعتقد أن هذا هو الخطا الكبير الذى وقعت فيه الدولة المصرية ، وخاصه وأن وزارة الأعلام لها مهام كثيرة ومنها اقتراح السياسة
والخطة العامة للدولة في كافة مجالات الاعلام الداخلية والخارجية ، وتمثيل الدولة فى المحافل الدولية وتنظيم المؤتمرات المحلية
والدولية لرئيس الجمهورية إلى جانب التغطية الإعلامية لزيارات القيادة السياسية الخارجية .. وغيرها العديد والعديد من المهام ،
وفى محاولة للخروج من هذا المأزق صدر في ديسمبر 2019 قرار جمهوري ينص على إستحداث وزارة دولة للإعلام وهى الوزاره
التى عانت من إنفصام شديد بين الإفصاح عن المعلومات وصراع الهيمنة على الإعلام .
على أرض الواقع يعانى المشهد الصحفى والإعلامى فى مصر من عشوائية وفوضى شديدة مابين إعلام رسمى مشتت ، فاقد
للهوية ، نفضت الدوله يدها عنه ، وتركته يتخبط فى أزمات مادية طاحنة ، ينتظر رصاصه الرحمه ، وكيانات إعلاميه بديله مملوكه
بشكل مباشر أو غير مباشر لـ أجهزة أمنية وسياديه ، سيطرت على عدد من ” القنوات والصحف والإذاعات ، وعلى بعض من سوق
الإنتاج الدرامى والإعلانات ” مما أدى إلى مشهد إعلامي فقير موجه وفاقدا للإنتشار والتأثير ، وإعلام خاص فاقد للهوية والموضوعية
والحيادية ، ويقدم إعلاما فجا ضرره أكثرمن نفعه ، وهو أحرص مايكون على مصلحة صاحب رأس المال ، مما دفع الكثير من
المشاهدين إلى العزوف عن متابعة الإعلام المصري ومتابعة القنوات الخارجية كمصدر للمعلومة والتعرُّف على الرأي الآخر وتقصي الحقائق .
والحقيقة أن الرئيس لم يترك مناسبة إلا وأكد فيها على أهمية دور الإعلام وإلتزامة بالمسئولية الوطنية والمهنية وتبنى قضايا الدولة
والتفاعل مع المجتمع وتزويد الشعب بالحقائق والمعلومات ، وتسليط الضوء على المشكلات التى تعهد بالتصدى لمعالجتها .. إلخ
لكن الواقع مختلف تماما ، ولذلك فالدولة عليها أن تدرك وهى تطلق الجمهورية الجديدة أنه لا أمل من ضبط منظومة الإعلام فى مصر
إلا بعودة ماسبيرو إلى دورة الحقيقى ، لان ماسبيرو هو إعلام الشعب ، وهو ذاكرة الأمة ، وهو المعبر عن آمال الشعب وآلامه
وأحلامه وتطلعاته ، وهو أمن مصر القومى وصمام أمانها ، بما يملكه من تراث حضارى ، وبنية تحتية ، وكوادر فتية مدربة وقادرة على
ضبط منظومة الإعلام فى مصر ، فقط إذا توافرت له الإمكانيات ، وأعطت له الدولة ” قبلة الحياه ” وأعادتة إلى مكانتة الطبيعية ، وأعادت النظر إليه .
وعليها أن تدرك أيضا أن تتبنى منظومة إعلامية يكون فيها الإعلام إعلاما “حرا مسئولا ” يرعى المصالح العليا للوطن ، ولايثير الفوضى
والبلبلة فى المجتمع ، إعلاما تتوافر له تدفق المعلومات الحقيقية ، إعلاما يخاطب العالم بلغته ، يساير ركب التطور يطبق ” ميثاق
شرف مُلزم ” ، إعلاما يقبل الإختلاف . ويكون هذا الإعلام
هو البداية الحقيقية لـ إعلام ” الجمهورية الجديدة ” وليس كما نرى الآن إعلاما مُرتبكًا يفتقد للإبداع .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.