عبد الناصر البنا يكتب : عيدكم .. فرحه

عبد الناصر البنا – الفضائية المصرية
تحتفل مصر والأمة العربية والإسلامية بعيد الأضحى المبارك كل عام وأنتم جميعا بخير ، والحقيقة أن لهذا العيد تحديدا من الذكريات الكثير ، وهو يختص بالكثير من المعانى العظيمة ،
ولنا أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى قد شرع الأعياد فى الإسلام عموما لحكم سامية ولمقاصد عليا لعل من أبرزها إدخال الفرحة والبهجة والسرور على قلوب الناس ، ولتقوية الروابط الإجتماعية وصلة الرحم التى منعتنا رفاهية العصر وضغوط الحياة من وصلها .
يوم عيد الأضحى المبارك يوافق لليوم الثانى لوقفة عرفات أهم مناسك الحج أو الركن الأعظم من أركان الحج ؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “الْحَجُّ عَرَفَةُ”. وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة
ينـزل الله تعالى إلى سماء الدنيا ، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء ، فيقول : انظروا إلى عبادي ، جاؤوني شعثاً غبراً ضاجِّين ، جاؤوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي، ولم يروا عقابي ، فلم يُرَ يوماً أكثر عتقاً من النار، من يوم عرفة
وهو كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أن يوم عرفة هو أفضل يوم عند الله ، وهو خيُر يوم طلعت فيه الشمس ندعوا االه أن يكتب لنا حجا مبرورا وذنبا مغفورا .
منذ أن وعيت على الدنيا وأنا أرى والدى وأعمامى يحرصوا على تأدية شعيرة الأضحية وذبح الأضاحى بعد صلاة العيد ومايصاحبها من طقوس إحياءا وتأسيا بذكرى قصة سيدنا إبراهيم “عليه السلام” ، عندما أراد التضحية بابنه إسماعيل لتلبية أمر الله تعالى
وهى فرصة لـ إدخال الفرحة فى نفوس الفقراء والمحتاجين بل وصلة الرحم وتبادل الزيارات وزيارة المقابر وتبادل التهنئة مع الجيران .
كان والدى وأعمامى يقسموا الأضحية لـ ” ثلاتة ” أقسام ، قسم يخص الفقراء والمساكين وقسم للأقارب والأحباب وقسم لأهل البيت ، وكانت أمى رحمها الله تحرص كل الحرص أن يكون لجيراننا المسيحيين نصيب من أضحيتنا بوصفهم من الأحباب
ولم يكن هناك تفرقة بين مسلم ومسيحى كما أراد بعض المتأسلمين اليوم إحداث الفرقه .. وهيهات ، والحمد لله أن هذا هو أشد ما نحرص عليه حتى اليوم ، ولاأبالغ إن قلت أن أمى كانت تضيف جارتنا المسيحية لتفطر معنا صباح يوم العيد ب ” الكبدة والمخ والكلاوى .. إلخ “
بل أن السيدة عندما تقدم بها العمر ولم تستطيع الخروج من بيتها كنا أطفالا ونتسابق بطبق الأكل إليها فى بيتها لـ نفرح بالعيدية والحلوى التى تقدمها لنا
كنت دوما أسأل أحد أبناء عمومتى لماذا يذيح قبل العيد وعلمت فيما بعد أنه يتصدق بتلك الذبائح ، لأن لديه عمالا يعملوا معه جاءوا من بلاد بعيدة ، ومن المعلوم أنهم يسافروا لـ أهاليهم فى الأعياد فكان رحمه الله يريد أن يدخل الفرحة غلى قلوبهم فيحرص أن يأخذوا عيدهم من اللحم قبل يوم العيد .
والله لم أجد فى حياتى صغيرا كنت أم كبيرا فرحة تضاهى فرحه إدخال السرور على نفوس الفقراء والمحتاجين فى ذلك اليوم ، وقس عليها قضاء حوائج الناس ، ومؤانسة الأهل ، والصلح بين المتخاصمين ، والإهتمام بالزوجة والأبناء ، وزيارة الأخوة والأقارب ، والسؤال عن المرضى، وكلها خصال حميدة نأمل فى عودتها إلى أسرنا ومجتمعاتنا بعد أن فرقت وباعدت بينهم الأيام .
وبهذه المناسبة أذكركم ونفسى أن أعظم الذكر بعد تلاوة القرآن الكريم هو التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والاستغفار ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : “ما من أيام أعظم عند الله العمل فيهن من أيام العشر، أكثروا فيهن من التهليل والتحميد والتكبير”.
هذه الأيام الكريمة تذكرنى برحله الحج المباركة وما يصاحبها من طقوس وخاصة فى القرى وموكب الحجيج يزور الأضرحة وأولياء الله الصالحين قبل الحج فى موكب مهيب فى كرنفال شعبى لايسع المقام لذكره
وهو أقرب مايكون بموكب ” المحمل ” أو كسوة الكعبة المشرفة المصنوعة من الحرير الأسود المنقوش بالآيات القرآنية المطعمة بسلوك الذهب التى إعتادت مصر وكان لها شرف إرسالها هى والحجرة النبوية ومقام سيدنا إبراهيم عليه السلام إلى الأراضى المقدسة منذ أيام الدولة الفاطمية
وقيل من عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، إلذى كان يوصى بكسوة الكعبة المشرفة من القماش المصري المعروف ب ” القباطي” نسبة إلى أقباط مصر ، وكانوا مهرة في نسج أفضل وأفخر أنواع الثياب والأقمشة .
وإستمرت مصر في نيل شرف إرسال كسوة الكعبة إلى الاراضى الحجازية حتى بعد سقوط دولة المماليك وخضوعها للدولة العثمانية ، وكان هناك وقف بلغ ” تسع قري” موقوفة ومخصصة لكسوة الكعبة التى كان يحملها ” أمير الحج ” معهُ في قافلة الحج المصري
وإستمر ذلك حتى العصر الحديث ، وقد تأسست لها فى عام 1818 م / 1233 هجرية دارا في ” حي الخُرنفش ” في القاهرة لصناعة الكسوة ، لاتزال موجودة حتى اليوم
وإستمر العمل في دار الخرنفش فى صناعة الكسوة حتى عام 1962 ، عندما توقفت مصر عن إرسال كسوة الكعبة ، بعد أن أنشات المملكة العربية السعودية أول دار لكسوة الكعبة المشرفة .
أما الإحتفال بالمحمل كما وصفه الرحالة إبن بطوطة الذى كتب عن هذا المشهد المهيب و كيفية خروج المحمل المصري من القاهرة في حضور أرباب الدولة. وقال ” إن يوم دوران الجمل ، وهو يوم مشهود ، حيث يتجه القضاة الأربعة ووكيل بيت المال والمحتسب ومعهم أعلام الفقهاء وأمناء الرؤساء وأرباب الدولة
ويتجهون إلى باب القلعة فيخرج إليهم المحمل على جمل ويصاحبه الأمير المعين لسفر الحجاز يقصد به ” أمير الحج ” ومعه الحامية العسكرية المجهزة بالسلاح والخيول لحماية القافلة إلى الديار المقدسه والعودة بسلام ، وكانت الشوارع والطرقات بتزين ، ويجتمع لذلك جميع المصريين من الرجال والنساء والأطفال ويطوفوا بالجمل في شوارع مدينة القاهرة ، بمصاحبة الطبل والزمر .
عيدكم فرحه .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.