احتفالا بثورة ٣٠ يونية بتمجيد بطولات شهداء الوطن .. زوجة الشهيد السحيلى كان دائما يردد : “على جثتى اسيب سيناء .. أنا روحى فى البلد ديه”

كتبت : محمد نبيل محمد
السيدة همت زوجة الشهيد محمد خالد محمد السحيلى تحكى حكاية شهيدها البطل:”ولد فى المملكة العربية السعودية يوم 8 ابريل عام 1982 وهو الإبن الأكبر لاسرته ولديه ثلاث اخوة وأخت وحيدة وهو متزوج ولديه إبنتان جميلة وجنة, وتلقي تعليمه في المملكة العربية السعودية وإلتحق بأكاديمية الشرطة عام 1999 وتخرج عام 2003, عمل إثر تخرجه في مديرية أمن بورسعيد فى إدارة قوات الامن, طوال فترة عمله كضابط شرطة كان يتم إسناد المهام الخطرة والمعقدة اليه نظراً لكفائته وتفانيه فى العمل, عام 2005
وبعد أحداث الإرهاب التي ضربت مدينة شرم الشيخ ودهب وأودة بحياة العشرات وأثرت بالسلب على السياحة تم عمل مأمورية مكبرة تضم الكفاءات من الضباط فى جميع مديريات الامن على مستوى الجمهورية, وكان الشهيد وقتها ملازم أول وتم اختياره مع اثنين من زملائه من أكفأ ضباط فى مديرية بورسعيد – وقتها- وكانت مأمورية شاملة للقضاء على الإرهاب فى جبل الحلال وأبلى الشهيد فيها بلاء حسناً بشهادة قيادته وإستمرت المأمورية لمدة شهر أسفرت عن توجيه ضربات موجعه للإرهاب وتطهير المنطقة من البؤر الإرهابية الموجوده فى هذه المنطقة, ومنذ اللحظة الأولى التى وطنت فيها قدم السحيلى لأرض سيناء أسرته بجمالها وهدوئها وطيبه أهلها وعقد العزم على أن يعمل فيها مهما كلفه الأمر
وكانت رغبته الأولى كل عام وقت حركة تنقلات الضباط ولكن لأسباب مختلفة كان يتم رفض رغبته, وأثناء فترة الخدمة السحيلى ببورسعيد عمل فترة فى ادارة المباحث ثم إنتقل لإدارة قوات الأمن وكان له نشاط فائق فى تدريب قوات مكافحة الشغب ومجموعة الإنتشار السريع, وإنتقل بعدها إلى مديرية أمن سوهاج لمده عامين عمل فيها فى أكثر من مكان منها مركز شرطة دار السلام وساهم كثيراً فى فرض الأمن بالمنطقة وتمكن من فك غموض كثير من جرائم السرقة والنهب والتعدى على الأملاك وايضاً المشكلات الثأرية بين العائلات هناك,
وغادر سوهاج بعد عامين وكان يحق له أن يطلب الاستقرار والعمل بأية إدارة يختارها بالقرب من بلدته ومحل إقامة أسرته بالشرقية ولكنه كان يفكر فى سيناء وكتب فى رغباته السنوية رغبته المحببة لقلبه وهى العمل بمديرية أمن سيناء وأخيراً تحقق له ذلك فى اغسطس 2010 وخدم فى سيناء لمدة خمس سنوات حتى إستشهاده ولم يستجب لإلحاح زوجته بالمغادرة ولا لنداءات أسرته وأصدقاءه بترك سيناء عندما زادت العمليات الإرهابية بعد ثورة 25 يناير,
عمل فى أماكن متفرقة بداية بإدارة قوات الامن وقسم شرطة رمانة بوسط سيناء ثم قسم ثانى العريش ومكتب مباحث المخدرات بالمديرية ثم أخيراً قسم ثالث العريش كرئيس مباحث حتى استشهاده, ويعتبر محمد السحيلى من الضباط التي أجمع على كفائته جميع القيادات فى الشرطة والجيش والشارع السيناوى بعد ثورة 25 يناير وبعدما تفاقمت الاحداث الإرهابية وكثرت العمليات الإرهابية وترصد الضباط وفى هذا الوقت لم يترك السحيلى مكانة ولم يخف وشارك في الكثير من العمليات المكبرة للقبض على الإرهابيين وقاطعى الطرق بغرض التجمهر وتعطيل مصالح الناس وإشاعة الفوضى,
وكان يوم مذبحة رفح الأولى من أصعب أيام حياته وتأثر بشده بالشهداء الصائمين الذين لم يتمكنوا حتى من تناول طعام الإفطار فى أيام رمضان المباركة واحدهم استشهد وفى يديه ملعقة الطعام وشارك السحيلى فى مأمورية نقل جثامين الشهداء وتأمينها وصولاً للمطار حتى يصل كل جندى الى مثواه الأخير بسلام وكذلك كان في سيناء أثناء مذبحة رفح الثانية التي قام بها الإرهابى الخسيس عادل حبارة وأقسم يومها السحيلى على ان يحاول بأقصى طاقته ومقدرته على ان يأخذ ثأر هؤلاء الجنود “الغلابة” على حد تعبيره وبحمد الله تحقق له، أراد وكان وقتها رئيس لمباحث قسم ثالث وكانت معلومة تواجد الإرهابى حبارة التى جاءته من مصادره المتنوعة والغير متوقعه بإعتباره ضابط مباحث “معَلِم” على حد تعبير قيادته الذين كانوا يستغربون من كيفية حصول السحيلى على المعلومات الصحية للأحداث حتى قبل وقوعها,
وكانت معلومة وجود حبارة معلومته التي بدوره قام بإبلاغ قياداته والتى بدورها قررت على الفور تنظيم مأمورية سرية للقبض على حبارة كان أبطالها 7 ضباط من أكفأ رجالات البحث الجنائى فى العريش وكان منهم الشهيد محمد السحيلى الذى كان أصغر الضباط سناً وفى اثناء عملية القبض على حباره وإحكام السيطرة عليه قام بالتعدى لفظاً على السحيلى فحدث إشتباك بينهما وثم تطويق الإرهابى حباره فى وسط فرحة الشارع السيناوى بالخلاص من هذا الإرهابى،
وعندما وصلت القوات الى قسم شرطة ثالث العريش أخذ محمد السحيلى يصيح بابتهاج تتخلله الدموع ويقول “الحمد لله جبنا حق المجندين الغلابة”, وشارك السحيلى فى تدمير العديد من مزارع الأفيون المنتشرة فى وسط سيناء وإشترك مع الشهيد العميد أحمد السيد وكيل إدارة البحث الجنائى فى تدمير كثير من مزارع المواد المخدرة بوسط سيناء, وكان يبلغ قيادته بمواعيد قيام اتباع المحظورة بمظاهراتهم ضئيلة العدد والتى يقومون بها بغرض التصوير وإذاعة المقاطع على الجزيرة لتهييج الرأى العام الداخلى والعالمى ضد مصر
وكان يقوم بالتعامل القانونى تجاه هذه المظاهرات من خلال مصادرة المكبرات غبير المرخص لها وغيرها من الطرق القانونية الخاصة, وكان اسمه من أوائل الأسماء التي وضعها الإرهابيين على قوائمهم للاغتيالات وعندما علم بذلك قال لى “إللى عايز يقتلنى يتفضل أنا بقوم بواجبى ومابخافش غير من ربنا سبحانه وتعالى”, وفى مجال قضايا المخدرات تمكن البطل أثناء ترأسه لمكتب مكافحة المخدرات بإدارة البحث الجنائى بمديرية امن شمال سيناء من القبض على أباطرة تجار المخدرات بشمال سيناء ومطارده فلولهم ومهاجمة أوكارهم ببراعة فى الرصد والتخفى والمباغتة
وتعرض للعديد من الإصابات والتى لم يكن يبلغ بها أحد لا عمله ولا أهله ويوصى زوجته بعدم إخبار أحد, وتأثر جداً باستشهاد صديقه البطل محمد أبو شقرة لانهما كانا دفعة واحدة فى اكاديمية الشرطة وشارك السحيلى مع قوات من الشرطة فى فريق بحث مكثف لكشف ملابسات حادثة استشهاد أبو شقرة وتعقب الجناه ولاحق فلول الجماعة الإرهابية داخل سيناء وخارج سيناء حيث قام بمأموريات عدة فى القاهرة والاسماعيلية للقبض على القيادات الهاربة للجماعة المنحلة وأعوانها, وكان تجار المخدرات في العريش ينشطون ويمارسون إجرامهم بأريحية عندما يكون السحيلى فى أجازته وعندما يعود يدخلون جحورهم وتتوقف حركة البيع والشراء,
كان السحيلى يتمتع بسيره حسنه ولديه حسن إدارة للمشكلات المتعلقة بدائرة القسم ونال ثقة مشايخ القبائل وكبار العائلات السيناوية الاصيلة والتى تعتمد على القانون القبلى وترفض فى أحيان كثيرة التدخل فى مشاكلهم وفوجئ السحيلى ذات مرة بكبار وشيوخ قبيلة الفواخيرية من أكبر عائلات سيناء بتجمعهم فى مكتبه فى قسم ثالث العريش وتوجيه الشكر له على حسن اداءه لواجبه وقدموا له شهادة تقدير واعتراف منهم بمجهوداته وكان يعتز بها كثيراً, وكان يتعامل بروح الأخ الأكبر والأب عندما يقوم بالقبض على الشباب ويحاول توجيهم للصواب حتى لا يضيع مستقبلهم ويرفض التعدى على أى مواطن بأى شكل من الاشكال وإذا حدث فى أية مداهمة ان دمرت القوات محتوى أي منزل بالخطأ
كان يتكفل ورجاله بإصلاح المنزل على نفقته الخاصة ويعتذر لأصحاب المنزل ولذلك بعد استشهاده تزينت منازل الكثير من أهل سيناء وخصوصاً العريش بصورته عندما كان زملاؤه يلاحقون الجماعات الإرهابية وتصدر لهم الأوامر باقتحام بعض البيوت كانوا يجدون صوره محمد السحيلى معلقة على الجدران ويقول أهل البيت بالنص “هذا الراجل ما شفناش منه إلا كل خير وحزنا على وفاته الله يرحمه”, وكان السحيلى خلقاً يمشى على الأرض وكان يعيش بأخلاق الشهيد فى الدنيا الى ان كتب له الشهاده الفعلية كان رحمه الله عليه محافظاً على صلاته
وكان يؤم الناس للصلاة فى المسجد وكان حافظاً لكتاب الله مرتلاً له بصوت عذب جميل ودائماً ما كان يتلو القرآن فى الفرق الشرطية التى حصل عليها وإجتازها بإمتياز, وهو الأبن الأكبر لوالده رجل الاعمال ووالدته ربه المنزل الطيبة الذين أفنيا عمرهما فى تربيته وتنشئته على الدين والقيم والأخلاق وهو وباقى إخواته وكانت صدمة استشهاده مصيبة كبيرة لهم جميعاً لم يفيقوا من حدوثها الى الآن, وتزوجنى عام 2006 ولدينا إبنتان هما جميلة وجنة كانتا فى عمر 6 أعوام ، 4 أعوام وقت استشهاده
وكان ونعم الأب الحانى وكان دائماً يحثهم على حفظ القرآن والالتزام بأخلاق الإسلام ودائماً يكرس وقته للعب معهم وقت اجازاته ويحاول تعويضهم عن غيابه، ولما كان لا يتمكن من رؤيتهم لانهم نائمون لميعاد المدرسة كان يجلس بجوارهم وهم نائمين يعتذر لهم عن تقصيره, وكان مثال للأب الحانى على أطفاله وكان زوج محب ومخلص وحريص على أسرته ويخاف عليها كثيراً ويحاول فى وقت فراغه ان يقضى أطول فترة مع بناته ويصطحبهم للسينما اوالمصيف لكى يعوضهم فترات غيابه الطويلة.
وطوال الوقت كان المحيطين به يعلمون انه يساعد المحتاجين على قدر استطاعته وكان بعد استشهاده فوجئت الاسرة بالعديد من الحالات الإنسانية التي كان السحيلى يتكفل بها من كفالة أيتام وتوفيرعلاج للمرضى وغيرهم وفى أيام العزاء جاء الى بلدته بالشرقية الكثير من الناس البسطاء باكيين معزيين رفضوا ان أن يفصحوا عن هويتهم ورفضوا ان يقبلوا أية مساعدات فقد جاءوا لحضور عزاء رجل أكرمهم وساعدهم كثيراً لوجه الله, وكان يخشى ان يخرج مع اسرته فى العريش لأنه كان مرصود في سيناء ويخاف أن يتعرف أحد على أوعلى بناته,
وكان دائماً تأتيه مكالمات التهديد على تليفونه الخاص ويرد بمنتهى الهدوء والثبات على من يهدده قائلاً ” إتفضل تعالى ماتتأخرش” وعندما أسأله يجيب ” ده كلام فاضى اللى بيقتل مبيهددش” ودائماً كان يردد كلمته المشهورة ” لو انا مشيت من سيناء وغيرى مشى مين يفضل ومين يحمى البلد على جثتى اسيبها وأنا روحى فى البلد ديه”, وقبيل استشهاده بشهر تقريباً تمكنت الشرطة من القبض على إرهابى وبالتحقيق معه إعترف بأنه قادم لتنفيذ مهمة محددة وهى تصفية محمد السحيلى وعندما علم محمد بالأمر تعامل مع الموضوع بمنتهى البساطة وبدون أى شعور بالخوف,
وعندما حكى لى وكان يضحك يستخف بالامر ويقول لى”تخيلى كان فى واحد جاى يصفينى” وانا ابكى وأقول “طيب إنت بتضحك وسعيد ليه” يقول “ياستى معادى لسه ماجاش, المهم لما يجى أكون فى الميدان وربنا يكرمنى بالشهادة وهو حد يطول”.
قبل حادثة استشهاده بأيام كان فى حادث تفجير لمدرعة راح ضحيتها اثنان من الشهداء منهم شهيد اسمه مؤمن نعمان وكان ضابط حسن الخلق وكل العريش حزنت محمد أخذ يردد “أنا نازل شغلى و هجيب حق مؤمن” وزوجته ترد عليه “إن مؤمن راح وحتى لو قه رجع هو نفسه راح وأهله اتحرموا منه” يؤكد مرة ثانية “أنا نازل أجيب حق مؤمن”.
يوم الحادثة 12/4/2015 توجه الشهيد الى عمله مبكراً كعادته وكان يوم مزدحم ويوجد كثير من المواطنين لقضاء مصالحهم وكان السحيلى يباشر عمله فى مكتبه وقبل الانفجار بدقائق كانت آخر مكالمة اجراها فى حياته مع زوجته يطمئن عليها وعلى بناته ويعتذر لها عن تقصيره فى مكالماتها لانه مشغول جداً من اول اليوم ويقول انه هيجيب رنجه وهيحتفل مع البنات، تاني يوم لأنه كان شم النسيم وبيوصيها تأخذ بالها من نفسها ومن البنات،
وآخر ما قال لها لا إله إلا الله بعدها بدقائق دخلت سيارة مفخخة محملة باثنين طن متفجرات الى باب القسم وإشتبكت معها القوات المتمركزة فوق الأسطح, لما السحيلى سمع الضرب عرف إن فى تعامل على القسم وهجوم, وقال :”مين ده اللى إتجرأ يضرب نار على القسم” وخرج من الشباك بتاع المكتب علشان يتعامل وفى اللحظة ديه الإرهابى الخسيس فجر نفسه وإتصاب البطل إصابات بليغة وكان معاه فى المكتب وقتها الشهيد شريف مناع اللى استشهد على الفور والشهيد عمرو شكرى اللى استشهد امام القسم وهو بيتعامل مع الإرهابى على مدرعته.
واتنقل البطل محمد السحيلى مع باقى المصابين اللى عددهم كان كبير جداً لمستشفى العريش العسكرى وبعدها الى المركز الطبى العالمى وإصاباته كانت خطيرة جداً فى الوجه والرئة وكان بيقاوم بشجاعته وبرغبة فى الحياة لدرجة إن الأطباء فى المستشفى وصفوه بـ (المقاتل) لأنه بيقاوم الإصابة ومتحمل آلام لا يتحملها بشر
وكان لما بيفوق بيبقى عصبى جداً لأن اخر حاجه كان فاكرها مشهد الإنفجار, وفضل في العناية المركزة لمدة 10 أيام حتى فاضت روحه الطيبة الطاهرة الى بارئها وأراد الله لها الشهادة يوم 22/4/2015 الساعة السابعة صباحاً, وأقيمت له جنازة عسكرية وشعبية مهيبة في مسقط رأسه بالشرقية وحضرها جميع قيادات الداخلية والمحافظة وحضور شعبي عظيم من أصدقاءه من الضباط ومن المدنيين ومن جميع محافظات مصر ومن خارج مصر أيضاً ونال الشهادة وعمره 33 سنه واسبوعين عمر اهل الجنة ونحسبه من أهل الجنة ولا نزكيه على الله.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.